هذا فيه خلاف، والصحيح أن الأفضل أن لا يؤخر لرواية البخاري في قوله e (( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) ولم يقل فلينتظر لعله يجد الماء فهذه رخصة، فإذا دخل الوقت ولم يجد الماء تيمم وصلى، وإذا وجد الماء في أثناء الوقت فإنه لا يعيد لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند أبي داود قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما وصليا ثم وجدا الماء في الوقت فتوضأ أحدهما وأعاد الصلاة ولم يعد الآخر، ثم أتيا النبي e فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد ((أصبت السنة وأجزأتك صلاتك)) وقال للآخر ((لك الأجر مرتين)).
قول النبي e للذي لم يُعد ((أصبت السنة وأجزأتك صلاتك)) يدل على أن السنة عدم الإعادة إذا وجد الماء أثناء الوقت.
وأما إذا كان التأخير يفوت الجماعة فإنه يحرم، فيكون قد ترك رخصة وهي التيمم ووقع في المحرم وهو ترك الجماعة.
مسألة: إذا وجد الماء أثناء الصلاة فما الحكم؟.
الجواب: هذا محل خلاف، والصحيح أنه يقطع صلاته لعموم قوله e (( فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته)) فهذا عام، فقوله ((فإذا وجد الماء)) يعم حال الصلاة وغيره.
139 - وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: بعثني النبي e في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي e فذكرت له ذلك. فقال: ((إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه. متفق عليه واللفظ لمسلم.
140 - وفي رواية للبخاري: وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
141 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله e (( التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين)) رواه الدارقطني، وصحح الأئمة وقفه.
الشرح:
حديث عمار رضي الله عنه أصح ما ورد في صفة التيمم يضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ويمسح الشمال على اليمين من أجل أن يزيل التراب الذي علق بيديه لئلا يؤذيه أو ينفخ أو ينفض، جاء ثلاث روايات المسح والنفض والنفخ لإزالة التراب الذي علق في يديه ويبقى الغبار، فالتراب لا حاجة له وإنما يمسح بما علق من الغبار، ثم يمسح وجهه وكفيه هذا أصح ما ورد في صفة التيمم.
وهل يجب الترتيب بأن يبدأ بالوجه ثم اليدين؟.
هذا محل خلاف، والصحيح أنه يجب الترتيب لظاهر القرآن فالله سبحانه وتعالى بدأ بذكر الوجه (فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) وإن كانت الواو لا تدل على الترتيب، ولكن الله إذا بدأ بشيء فهذا يدل على العناية به.
والنبي e أشار إلى ذلك في حديث جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم قال e (( ( إن الصفا والمروة من شعائر الله) أبدأ بما بدأ الله به)) وكذلك هنا نقول: نبدأ بما بدأ الله به، ثم إنه في رواية البخاري جاءت لفظة ((ثم)) وهي صريحة في الترتيب، وأكثر الروايات فيها حرف الواو مسح وجهه ويديه، وفي بعضها مسح يديه ووجهه، وهذه لا تدل على الترتيب وإنما الواو لمجرد العطف، ورواية ((مسح وجهه ثم كفيه)) صريحة في الترتيب، فتقدم عليها ويؤيدها ظاهر القرآن. فالصحيح أنه لا بد من الترتيب.
وما جاء من الأحاديث في الضربتين أو المسح إلى المرفقين، فهذه الأحاديث إما موقوفة أو ضعيفة مخالفة لهذا الحديث المتفق عليه، وهذا أصح ما ورد في صفة التيمم وهو الذي عليه العمل وما خالفه فإنه إما ضعيف وإما موقوف.
والمذهب أنه يمسح الوجه بالأصابع ويمسح اليدين بالراحتين وهذا مبني على قاعدة ضعيفة وهي أن الماء المستعمل لا يرفع الحدث، فقاسوا عليه الغبار، فعلى هذا إذا مسح وجهه صار الغبار الذي في يديه مستعملاً فيكون غير مطهر، فإذاً يمسح الوجه بالأصابع فقط ثم يمسح الكفين بالراحتين.
وهذا كما أنه مخالف لظاهر النصوص ((مسح وجهه ويديه)) لم يقل بأصابعه ومسح كفيه براحتيه، فهو أيضاً مبني على قاعدة ضعيفة، وما بني عليها فهو أضعف منها.
مسألة: الترتيب في التيمم هل يجب في الحدث الأكبر وفي الحدث الأصغر؟.
الجواب: الذين قالوا بالوجوب قالوا إنه يجب الترتيب في الحدث الأصغر، وأما بالنسبة للحدث الأكبر فلا يجب قياساً على الأصل وهو الغُسل فإنه لا يجب فيه الترتيب فالتيمم من باب أولى.
¥