والأرجح وجوب الترتيب في التيمم مطلقاً سواءً تيمم لرفع الحدث الأصغر أو الأكبر لعموم الأدلة، فالله تعالى ذكره في القرآن مرتباً بعد ذكر الحدثين معاً، وكذلك في حديث عمار رضي الله عنه في رواية البخاري ((فمسح وجهه ثم يديه)) وهو في الحدث الأكبر.
مسألة: هل تشرع التسمية للتيمم؟.
الجواب: الأقرب أنها لا تشرع لأمرين: الأول: لعدم ذكرها في حديث عمار رضي الله عنه، فالنبي e لم يقل له تسمي ثم تضرب الأرض. والثاني: القياس على الوضوء قياس مع الفارق، فالوضوء يختلف عن التيمم في أشياء كثيرة، فالوضوء أعضاؤه كثيرة وفيه غسل وفيه تخليل، وأما التيمم فليس كذلك ليس فيه إلا مسح عضوين الوجه والكفين، وليس فيه تخليل.
مسألة: ألا يدخل التيمم في قول النبي e (( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع)).
الجواب: هذا الحديث ضعيف فلا يصح الاستدلال به.
142 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله e (( الصعيد وَضُوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته)) رواه البزار وصححه ابن القطان لكن صوب الدارقطني إرساله.
143 - وللترمذي عن أبي ذر نحوه، وصححه.
الشرح:
حديث أبي هريرة صحيح وهو يدل على أن الإنسان إذا لم يجد الماء أو كان يضره استعماله أنه يتيمم ولو مكث سنين، وهذه رخصة من الله.
وهل يشرع التيمم في الحضر إذا فقد الماء أم لا بد أن يكون في سفر؟.
هذا محل خلاف، والصحيح أنه لا فرق بين السفر والحضر وظاهر القرآن يدل على أنه يجوز التيمم حتى في الحضر كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا)، فقوله (وإن كنتم مرضى) هذا الحال الأول في إباحة التيمم (أو على سفر) هذا الحال الثاني (أو جاء) هذا الحال الثالث وهو في الحضر.
وبعض أهل العلم قالوا: إن (أو) الثالثة بمعنى الواو، فالمعنى وإن كنتم مرضى أو على سفر وجاء أحد منكم من الغائط. ولكن هذا خلاف الأصل، الأصل في (أو) أنها للتخيير أو للتنويع وليست للعطف، فيكون ظاهر القرآن أن التيمم يجوز حتى في الحضر (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً) يعني في غير السفر فذكر أولاً المرض ثم ذكر السفر ثم ذكر العموم، والعموم يشمل الحضر فإن الإنسان قد لا يجد الماء حتى في الحضر، فقد ينقطع الماء، وقد يكون الماء قليلاً لا يكفي إلا للشرب وليس هناك ماء، فلا فرق بين أن يعدم الماء في السفر أو في الحضر، ولكن السفر هو مظنة فقد الماء وقلما يُفقد في الحضر، ولكن لو فُرض أنه فُقد فإنه يتيمم.
وإذا عجز عن الوضوء وعن التيمم فإنه يصلي بلا شيء، كما لو حُبس إنسان في مكان ليس فيه ماء وليس فيه تراب فإنه يصلي من غير شيء، لأنه لا يشرع التيمم على الفرش أو على شيء ليس من جنس الأرض، فإذا لم يكن هناك تراب ولا طين ولا أحجار ولا شيء من جنس الأرض فإنه لا يتيمم ويصلي على حسب حاله.
ومما يدل على ذلك عموم قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) وكذلك في قصة عائشة لما فقدت العقد ذهب الناس يبحثون عنه فحضرت الصلاة فصلوا من غير وضوء ولا تيمم فأنزل الله آية التيمم. رواه البخاري.
مسألة: هلي يجوز أن يتيمم بالجدار؟.
الجواب: إن كان من طين فإنه يجوز، وقد فعله النبي e كما في حديث أبي الجهم رضي الله عنه عند البخاري. وأما غيره كالجدار المدهون فلا، لأن الدهان ليس من جنس الأرض.
144 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله e فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد ((أصبت السنة وأجزأتك صلاتك)) وقال للآخر ((لك الأجر مرتين)) رواه أبو داود والنسائي.
الشرح:
أيهما أفضل الذي له الأجر مرتين أو الذي أصاب السنة؟.
¥