ثوباً)) والاستثفار شبيه بالحفاظة، فتستنجي وتتحفظ لئلا ينتشر الدم وتغسل ما أصاب الدم من ثيابها وتتوضأ وتفعل ذلك لكل صلاة، وإن اغتسلت فالغسل أفضل كما في هذا الحديث في رواية أبي داود.
هذا الحال الأول إذا كان لها عادة معروفة قبل الاستحاضة فإنها ترجع إلى عادتها.
الثاني: إذا لم يكن لها عادة بأن كانت مبتدأة، جاءها الحيض لأول مرة واستمر معها أو كان لها عادة فنسيت عادتها، فإنها ترجع إلى التمييز لهذا الحديث.
وهذا الحديث له شواهد يتقوى بها، والتمييز كما جاء في الحديث ((دم الحيضة أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا ذهب فاغتسلي وصلي)) فإذا جاءها الدم الأسود جلست وإذا ذهب وجاء الدم الأحمر اغتسلت وصلت.
والتمييز يقيده الفقهاء بأنه لا بد أن يكون تمييزاً صالحاً، يعني يصلح أن يكون حيضاً، أما إذا كان يأتي يوماً أسود ويوماً أحمر، أو نصف يوم أسود ونصف يوم أحمر فهذا تمييز غير صالح، فلا يمكن أن تعمل به المرأة لما فيه من المشقة العظيمة.
الثالث: إذا لم يكن لها تمييز أو لها تمييز لا يصلح أن يكون حيضاً فإنها تنتقل إلى الحال الثالث، وهو ما جاء في حديث حمنة رضي الله عنها تتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة، الأقرب لنسائها من أمها وأخواتها وخالاتها وما شابه ذلك، فإذا كانت أمها تحيض سبعة أيام تجعلها سبعة، وإذا كانت أمها تحيض ستة تجعلها ستة فتجلس ستة أيام أو سبعة على حسب حيض نسائها، لأن الغالب أن المرأة يكون حيضها قريباً من حيض أمها وأخواتها وقريباتها.
وهذه المرأة ليس أمامها إلا أحد أمرين إما أن تصلي طوال الشهر، وهذا لا يجوز لأنه يُعلم يقيناً أنها قد أحدثت الحدث الأكبر والصلاة تحرم عليها، وكذلك الصيام فلا يمكن أن تؤمر بالصلاة طوال الشهر، وإما أن تقعد طوال الشهر لا تصلي، وكل من الأمرين لا يجوز لأن الحيض لا يستمر طوال الشهر، فإذاً تجتهد وتتحرى وتجلس ستة أيام أو سبعة على حسب حال نسائها، وهذا هو الذي يمكنها فإذا فعلت ذلك برئت ذمتها سواءً وافق حيضها في الواقع أم لم يوافق، فهي قد فعلت ما في وسعها والله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
فهذه أحوال ثلاثة للمستحاضة.
فإن قيل: ما هو الدليل على تقديم العادة على التمييز؟. فالجواب: أن العادة تقدم على التمييز لأمرين:
الأمر الأول: أن حديث العادة أصح لأنه متفق عليه، أما حديث التمييز فمن العلماء من ضعفه.
الأمر الثاني: أن العادة أضبط وأريح للمرأة، فالعادة معروفة ومنضبطة، وأما التمييز فقد يضطرب، قد يتقدم وقد يتأخر وقد يتقطع، فيكون عليها بذلك حرج في متابعة هذا الدم الأسود. والأحاديث ليس فيها نص على تقديم هذا أو هذا، فنقدم العادة لما ذُكر.
ثم الحديث الثاني رواه أبو داود وهذا الحديث قال الحاكم: إنه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وصححه ابن حزم وحسنه المنذري.
وفيه من الأحكام أن المستحاضة يسن لها أن تؤخر الظهر وتقدم العصر، وهذا يسمى الجمع الصوري تؤخر الظهر إلى آخر وقتها، ثم تقدم العصر وتغتسل وتجمع بين الصلاتين، وتؤخر المغرب وتقدم العشاء وتغتسل، وكذلك تغتسل لصلاة الفجر.
ثم قال e (( وتتوضأ فيما بين ذلك)) تتوضأ فيما بين ذلك أي تغتسل في آخر وقت الظهر ثم تصلي الظهر ثم إذا دخل وقت العصر تتوضأ لأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة كما في رواية البخاري ((وتوضئي لكل صلاة)) لأن الحدث معها مستمر، فإذا اغتسلت وصلت الظهر ثم دخل وقت العصر فإنها لا بد أن تتوضأ لصلاة العصر.
ولذلك قاس العلماء عليها من به سلس البول وأنه يتوضأ لكل صلاة، وجاءت رواية عند الترمذي وصححه قال e (( وتوضئي لوقت كل صلاة)) فهذا هو حكم من به حدث دائم يتوضأ في وقت هذه الصلاة ثم يصلي ما شاء، فيصلي النوافل ويمس القرآن ويطوف ويفعل ما شاء ما لم يحدث بحدث آخر حتى يأتي وقت الصلاة الأخرى، فإذا دخل وقت العصر فإنه يستنجي ويتوضأ، وهكذا كلما دخل وقت صلاة فإنه يتوضأ ويصلي.
لو توضأ لصلاة الفجر وجلس في مصلاه حتى طلعت الشمس فإنه يصلي سنة الضحى ولا حاجة إلى أن يتوضأ، لأنه لم يأت وقت الصلاة الأخرى إلا إذا أحدث حدثاً آخر، أما الحدث الدائم فإنه لا يلزمه الوضوء لأجله إلا إذا دخل وقت الصلاة الثانية.
¥