قُلْتُ: وَلَعَلَّ مُعْتَمَدُ الْحَافِظِ الْمِزِّيِّ هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ عَقِبَ ذِكْرِهُ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي «الْكُبْرَى» (4/ 86): «رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ عَنِ الأَنْصَارِىِّ، ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِىُّ: وَزَادَنِى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنِ الأَنْصَارِىِّ فَذَكَرَ قِصَّةَ الْخَاتَمِ» اهـ.
وَتَصْرِيحُ الْبَيْهَقِيِّ هَكَذَا فِيهِ نَظَرٌ، إِذْ لَمْ يَأْتِ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي نُسُخِ الْبُخَارِيِّ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، وَلِهَذَا نَقَلَ كَلامَ الْحَافِظِ الْمِزِّيِّ، وَلَمْ يَرْضَاهُ!.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَنْ مِنَ الأَحْمَدِينَ من شُّيُوخِ الْبُخَارِيِّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الأَنْصَارِيِّ؟.
قُلْتُ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ جُنَيْدِبِ أَبُو الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ، وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانََ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ كَمَا فِي «الإِحْسَانِ» (1414): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللهِ سَطْرٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ هُوَ الْمَذْكُورِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، إِذْ لَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا مَا زَادَهُ الْبُخَاريُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنهُ!.
قُلْتُ: هَاهُنَا ثَلاثُ احْتِمَالاتٍ، وَكُلُّهَا مِمَّا يُقَوِّي أَنَّهُ هُوَ:
[أَوَّلُهَا] أَنَّهُ إِنَّمَا اخْتَصَّ الْبُخَارِيَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِذَا لَمْ يَرْوِهَا عَنْهُ ابْنُ أَبِي عَوْنٍ، سِيَّمَا وَالْبُخَارِيُّ مُشَارِكٌ لَهُ فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ عَنْ شَيْخِهِمَا الأَنْصَارِيِّ.
[الثَّانِي] أَنْ يَكُونَ ابْنُ حِبَّانَ رَوَاهُ مُخْتَصَرَاً مُقْتَصِرَاً مِنْهَ عَلَى مَوْضِعِ الدِّلالَةِ عَلَى مَا أَرَادَهُ، حَيْثُ أَوْرَدَهُ فِي بَابِ:
ذِكْرُ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَانَ يَضَعُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْخَلاَءَ
[الثَّالِثُ] أَنَّ الْحَدِيثَ مُسْتَفِيضٌ عَنِ الأَنْصَارِيِّ، حَتَّى ظَنَّهُ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَأَخْطَأَ فِيهِ. وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ جُنَيْدِبٍ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّانُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُجَاشِعِيُّ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خُشَيْشٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، وأَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، عَشْرَةُ نَفَرٍ.
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى رِوَايَةٍ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي كُلِّ الْمَصَادِرِ الَّتِي بِأَيْدِينَا، حَتَّى «مُسْنَدَ أَحْمَدَ»، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ.
قُلْتُ: فَلَوْ تَرَجَّحَ أَنَّهُ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ جُنَيْدِبِ، فَفِي ذِكْرِهِ فِيمَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ إِلاَّ حَدِيثَاً وَاحِدَاً نَظَرٌ!.
وَيُتْبَعُ بِتَوْفِيقِ اللهِ وَعَوْنِهِ.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[28 - 11 - 07, 04:05 م]ـ
[2] إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْمَرٍ أَبُو مَعْمَرٍ الْهُذَلِيُّ
وَكَذَلِكَ أَجْزَمُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ إِنَّمَا رَوَى فِي «صَحِيحِهِ» عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْمَرٍ الْهُذَلِيِّ تَعْلِيقَاً وَاحِدَاً.
¥