تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ. أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}

1 - ظاهرة فريدة في الحذف:

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ.

الحذف في الآيتين جاء على صورة الاحتباك ..... غير أن الاحتباك هنا ليس من مقتضيات الدلالة كما هو معهود ولكن من مقتضيات التركيب .. وقبل التفصيل فيه يجدر بنا أن نعرف المقهوم:

الاحتباك باب من البديع مبني على مبدأ الحذف والاختصار ....

وصورته الشكلية كالتالي:

لنفرض متوالية مكونة من أربعة عناصر نرمز لها بالأرقام:

1 - 2 - 3 - 4

نقسم الرباعي إلى ثنائيتين.

1 - 2

3 - 4

أفقيا توجد علاقة تقابل: فردي –زوجي.

عموديا توجد علاقة تشابه فردي- فردي. (1 - 3)،زوجي- زوجي. (2 - 4)

يحصل الاحتباك بحذف عنصرين على المحور الوتري .. (1 - 4)) أو (2 - 3)

فلا يبقى إلا عنصران: 2 و3. (أو1و4)

لكننا بواسطة المذكورين نستحضر ذهنيا المحذوفين:

ف1 المذكورة تدل على مقابلها المحذوف2.

و4 المذكورة تشير إلى مقابلها المحذوف 3.

وهذه صورة حقيقية:

قوله تعالى: ادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء.

ذهب أبو حيان وآخرون إلى أن تخرج بيضاء جواب لأمر مقدر وليس للأمر المذكور أي ادخل يدك ...... فيكون التقدير العام:

1 - أدخل (يدك في جيبك) ......... 2 - تدخل.

3 - أخرجها ............. 4 - تخرج (بيضاء من غير سوء.)

لكن الآية اقتصرت على 1و4أي فيها احتباك

ادخل يدك في جيبك .... تخرج بيضاء من غير سوء.

فدل فعل الأمر المذكور (أدخل) على جوابه المحذوف (تخرج)

ودل جواب الأمر المذكور (تخرج بيضاء) على فعله المحذوف (أخرجها)

إذا تقرر هذا تدبرنا قوله تعالى:

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا .......

فنلحظ أسلوبين: أسلوب القسم وأسلوب الإضراب، لكن في كل يذكر شطر ويطوى آخر.

فقد حذف المقسم عليه وعبارة" بل عجبوا "الموالية لاتصلح مقسما عليه كما هو ظاهر.

وهذه العبارة نفسها مصدرة ب"بل"الاضرابية وتفترض مضربا عليه والحال أن ما سبقها

(وهو القسم) لا يصلح مضربا عنه.

فحصل احتباك في التركيب بديع:

ذكر المقسم به وحذف مقتضاه أي المقسم عليه.

ذكر المضرب به وحذف مقتضاه أي المضرب عنه.

ملاحظتان:

-التحقيق أن المقسم عليه محذوف وإن كان بعض المفسرين اعتبروه مذكورا وبحثوا عنه قريبا وبعيدا.فعن الأخفش جوابه"قد علمنا ما تنقص الأرض منهم"وعن نحاة الكوفة"بل عجبوا"والمعنى "لقد عجبوا" وقيل "إن في ذلك لذكرى" وقيل "ما يبدل لدي القول" .....

وحق لأبي حيان أن يقول "وهذه كلها أقوال ضعيفة". (راجع البحر عند تفسير سورة ق)

-يجوز أن يكون المحذوف شيئين: متعلق القسم ومتعلق الاضراب .... ويجوز أن يكون المحذوف شيئا واحدا يتنازعه القسم والاضراب.

2 -

أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.

مدخول حرف الاستفهام محذوف تقديره: أنبعث إذا متنا ...

ومن المحتمل أن يكون المقسم عليه المحذوف سابقا هوهذا المعنى نفسه كما قال الزجاج في تقدير جواب القسم المحذوف:"تقديره لتبعثن."

ومعنى هذا أنه وقع الطي على معنى واحد مرتين وهذا بديع كما ترى. والله أعلم.

3 -

بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ.

من بديع الآية أن جمعت بين الإضمار في موضع الإظهار والإظهار في موضع الإضمارمعا:

قوله تعالى "عجبوا " إضمار في موضع الإظهار.

"فَقَالَ الْكَافِرُونَ "إظهار في موضع الاضمار.

4 -

في الآية أيضا الوجه البديعي المسمى"رد العجز على الصدر"

بَلْ عَجِبُوا ..................................... عَجِيبٌ.

5 -

اختتمت الآية الثانية بإشارة: هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ.

اختتمت الآية الثالثة بإشارة: ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.

الإشارتان معا صادرتان عن الكفار .... مع التقابل الملحوظ بين القريب (هَذَا) والبعيد (ذَلِكَ).

تعجب من النذير القريب لأنه جاءهم منهم- أو تعجب من الإنذار القريب لأنهم يسمعونه عن كثب من الرسول صلى الله عليه وسلم.-أما الاستبعاد فمتعلق بمضمون الإنذار أو بما أنذروا به وهو البعث بعد الموت ...

فحصل تقابل بديع بين اسمي الإشارة: هذا المنذر وذلك المنذر به.

والله أعلم.


أبو عبد المعز
عرض الملف الشخصي العام
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير