تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال في المجموع: (وسواء مس نفس الأسطر، أو ما بينها، أو الحواشي، أو الجلد، فكل ذلك حرام، وفي مس الجلد وجه ضعيف: أنه يجوز، وحكى الدارمي وجهًا شاذًا بعيدًا: أنه لا يحرم مس الجلد ولا الحواشي، ولا ما بين الأسطر، ولا يحرم إلا نفس المكتوب. والصحيح الذي قطع به الجمهور تحريم الجميع) ([8]).

وقال في معونة أولي النهى: (ويحرم بالحدث أيضًا مس مصحف أو بعضه ... والحكم شامل لما يسمى مصحفًا من الكتاب، والجلد، والحواشي، والورق الأبيض، فلهذا قلت: (حتى جلده وحواشيه، بدليل: البيع) ([9]).

وذهب بعض الحنفية ([10])، وبعض الشافعية ([11])، وبعض الحنابلة ([12]): إلى أن المحرم إنما هو مس المكتوب منه فقط، فلا يدخل في التحريم مس مواضع البياض منه معللين لذلك: بأن الماس له لم يمس القرآن.

قال بعض الحنفية: وهذا مقتضى القياس، وإن كان القول بالتحريم أقرب إلى إجلال القرآن وتعظيمه ([13]).

قال في بدائع الصنائع: (وقال بعض مشايخنا: إنما يكره ([14]) له مس الموضع

المكتوب دون الحواشي؛ لأنه لم يمس القرآن حقيقة، والصحيح أنه يكره مس كله؛ لأن الحواشي تابعة للمكتوب، فكان مسها مسًا للمكتوب) ([15]).

وقال ابن مفلح في الفروع: (وقيل- يعني إنما يحرم – كتابته، واختاره في الفنون – يعني ابن عقيل – لشمول اسم المصحف له فقط، لجواز جلوسه على بساط على حواشيه كتابة) ([16]).

ورجحان القول الأول وهو تحريم المس لكل ما يشمله اسم المصحف أمر ظاهر لقوة دليله، ووجاهة تعليله.

ثانيًا: واختلف فقهاء المذاهب الأربعة في حكم مس غلاف المصحف المنفصل عنه كالخريطة والعلاقة التي يحفظ بها المصحف سواء كانت من ثوب أو جلد، وكذا الصندوق الخاص بحفظ المصحف فيه هل يحرم مس شيء من ذلك في حالة كون المصحف فيها أم لا يحرم؟ في ذلك قولان مشهوران للفقهاء:

القول الأول: أنه لا يحرم مس شيء من ذلك.

وبه قال الحنفية ([17])، والشافعية في قول ([18])، والحنابلة في الصحيح من المذهب ([19]).

وروي القول به عن الحسن البصري، وعطاء، وطاووس، والشعبي، والقاسم بن محمد، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان وغيرهم ([20]) مستدلين لذلك بما يأتي:

1 - أن الماس لغلاف المصحف المنفصل ونحوه لم يباشر مس المصحف والنهي إنما يتناول مس المصحف مباشرة من غير حائل ([21]).

2 - أن انفصال الغلاف ونحوه عن المصحف، وعدم اتصاله به دليل على عدم شمول اسم المصحف له فلا يأخذ حكمه في تحريم المس، بدليل: أنه لا يأخذ حكمه في البيع، فلا يتبع المصحف في البيع إلا بشرط ([22]).

القول الثاني: أنه يحرم مس شيء من ذلك.

وبه قال المالكية ([23])، والشافعية في أصح الوجهين ([24])، والحنابلة في قول ([25])، وبه قال الأوزاعي ([26]).

وعللوا لذلك: بأن الغلاف ونحوه متخذ للمصحف، ومقصود له، فيكون كجلد المصحف المتصل به في التحريم ([27])، تكرمة للقرآن وتعظيمًا له ([28]).

والذي يظهر لي أن الراجح من هذين القولين: هو القول بعدم التحريم، لقوة ما استدل به أصحابه، ووجاهة ما عللوا به، وللفرق الظاهر بين الغلاف المنفصل والمتصل، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض ترجيحه لهذا القول: (والعلاقة وإن اتصلت به فليست منه إنما تراد لتعليقه وهو مقصود زائد على مقصود المصحف، بخلاف الجلد فإنه يراد لحفظ ورق المصحف وصونه) ([29]).

المطلب الثاني: في بيان المراد بالمس المحرم

أولاً: اتفق فقهاء المذاهب الأربعة في الصحيح من مذاهبهم على أن مس المصحف للمحدث حدثًا أكبر أو أصغر باليد، أو بغيرها، من أعضاء الوضوء، أو سائر أجزاء البدن، كتقبيله أو مسه بصدر أو ظهر ونحوها مباشرة من غير حائل يعتبر محرمًا، وذلك لصدق اسم المس عليه، فيدخل في عموم النهي عن مس القرآن على غير طهارة؛ لأن كل شيء لاقى شيئًا فقد مسه ([30])؛ ولأن من اللائق بتعظيم المصحف وتكريمه تحريم المس في أعضاء البدن وأجزائه كلها ([31]).

وذهب الحكم بن عتبة، وحماد بن أبي سليمان إلى جواز مس القرآن بظاهر الكف وسائر أجزاء البدن، وأنه لا يحرم إلا المس بباطن اليد فقط.

معللين لذلك: بأن آلة المس هي باطن الكف، فينصرف إليها النهي دون غيرها من أعضاء البدن وأجزائه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير