تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بلهجاتهِ، قلَّ أن يُخطأ أحداً منهم كما قالَ ذلكَ الأصمعيُّ – رحمهُ اللهُ -.

ومن هنا لا بُدَّ للوالج ِ إلى علم ِ النحْو ِ أن يلجهُ من بابهِ المعروفِ، ويدرسهُ من أصلهِ الأوّل ِ، ألا وهو تركيبُ الجمل ِ والمفرادتِ تركيباً سليماً، وإعطاءُ كلِّ حرفٍ منها حقّهُ من الحركاتِ اللاحقةِ في آخرهِ، حتّى يسلمَ المرءُ من اللحن ِ، ويستقيمَ لهُ نِظامُ الكلام ِ، وعمودُ اللفظِ.

والثمرة ُ من علم ِ النحو ِ هو عدمُ اللحن ِ، فمن حصّلَ ذلكَ وكمّلهُ فقد استغنى عن بقيّةِ ما فيهِ، حتى لو كانَ ذلكَ عن طبع ٍ فيهِ وسليقةٍ مركّبةٍ، دونَ تعلّم ٍ أو معرفةٍ بالقواعدِ النحْويّةِ، كما كانَ الفرزدقُ يقولُ: علينا أن نقولَ الشعرَ وعليكم أن تتأوّلوا، ومقصدهُ بذلكَ – واللهُ أعلمُ – أنّهُ يقولُ الشعرَ سليقة ً وطبعاً، فتخرجُ ألفاظهُ عربيّة ً مُستقيمة ً في الإعرابِ، لا لحنَ فيها، فهو سليمُ اللسان ِ فصيحُ اللغةِ، وهذا هو ثمرة ُ النحْو ِ وفائدتهُ، فمن كانَ فصيحاً لا يلحنُ، فقد أتى النحْوَ من أوسع ِ أبوابهِ.

وقد ذكرَ الجاحظ ُ في بعض ِ رسائلهِ أنَّ الغرضَ من علم ِ النحْو ِ إقامة ُ نِظام ِ الكلام ِ، على وفق ِ لغةِ العربِ بلا لحن ٍ أو خلطٍ، فما كانَ من هذا العلم ِ يؤدي هذا الغرضَ فهو المطلوبُ، وما زادَ عنهُ فهو فضولٌ مُضن ٍ، يُشغلُ عمّا هو أهمُّ وأفيدُ، وتركهُ لما هو أولى منهُ أولى وأحرى، وقالَ مثلَ هذا الكلام ِ العالمُ الربّانيُّ: ابنُ رجبٍ الحنبليُّ، في كتابهِ الشهير ِ " فضلُ علم ِ السلفِ على علم ِ الخلفِ ".

يقولُ ابنُ الأثير ِ: أمّا علمُ النحْو ِ فإنّهُ في علم ِ البيان ِ من المنظوم ِ والمنثور ِ، بمنزلةِ أبجد في تعليم ِ الخطِّ، وهو أوّلُ ما ينبغي إتقانُ معرفتهِ لكلِّ أحدٍ ينطقُ باللسان ِ العربيِّ، ليأمنَ معرّة َ اللحن ِ.

إذا عُلمَ ذلكَ وتقرّرَ، صارَ المؤكّدُ على الكاتبِ أن يبحثَ عمّا يسترُ عيبهُ من اللحن ِ، ويسُدَّ ثغرتهِ من الخطأ في الإعرابِ، وبداية ُ ذلكَ أن يقرأ في كتبِ النحْو ِ المؤسّسةِ للقواعدِ والمقرّرةِ لأصول ِ ومبادئِ هذا العلم ِ، بحيثُ يسهلُ عليهِ تصوّرُ مباحثهِ وأبوابهِ على جهةِ الإجمال ِ، ويتعوّدَ رويداً رويداً على الإعرابِ، ثمَّ ينتقلَ لما بعدَ ذلكَ إلى الاستدلال ِ والتفريع ِ.

ومن أفضل ِ ما كُتبَ في هذا المجال ِ: كتابُ الآجرّوميّةِ، وهو متنٌ صغيرٌ نافعٌ جدّاً، كانَ أهلُ العلم ِ – وما زالوا – يدرّسونهُ صغارَ الطلبةِ ويلقّنونهم إيّاهُ، حتّى صارَ مع الأيام ِ فاتحة َ هذا العلم ِ، فهو مفتاحُ رِتاجها، خِداجٌ بدونها، وقد أحسنَ بعضُهم في وصفهِ قائلاً: متنُ الآجرّوميّةِ لم يُطاولهُ متنٌ آخرُ: ضبطاً لقواعدِ النحْو ِ وحصراً لمسائلهِ ويُسراً في صياغتهِ، ولا يزالُ موضعَ التلقِّي والقبول ِ إلى يومِنا هذا.

ولهذا الكِتابِ شروحٌ كثيرة ٌ جدّاً، ولا زالَ يُشرحُ في المساجدِ والمدارس ِ والمكتباتِ، وتُعقدُ لهُ مجالسُ الدرس ِ والمُذاكرةِ، وذلكَ لسهولةِ لفظهِ، وغزارةِ مادّتهِ، ومن أفضل ِ شروحهِ " التحفة ُ السنيّة ُ " لسيبويهِ العصر ِ: محمّد مُحيى الدين ِ عبدالحميدِ، وهذا الرجلُ إمامٌ في النحْو ِ، وقد أحسنَ في وصفهِ العلاّمة ُ: محمودُ بنُ محمّدٍ الطناحيُّ – حواريُّ العبقريِّ الفذِّ: محمودُ شاكر – بقولهِ: ويكفيهِ فضلاً – أي محمد محيى الدين عبدالحميدِ – أنَّ كلَّ من تعلّمَ النحْوَ في شرق ِ الدنيا وغربِها بعدهُ، مدينٌ لهُ بدين ٍ كبير ٍ لما بذلهُ من جُهدٍ بالغ ٍ في إخراج ِ كتبِ النحْو ِ، في أسلوبٍ يُمتعُ الدارسَ ويصقلُ اللسانَ.

وهناكَ شروحٌ أخرى للآجرّوميّةِ، ولكنّ هذا منها بمنزلةِ الرأس ِ للبدن ِ، والنهر ِ للساقيةِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير