تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[نكتة بلاغية ورد على شبهة حول القرآن]

ـ[عبد الصمد الشيخ]ــــــــ[08 - 11 - 05, 05:45 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه

إخواني الأعزاء قد ورد علي شبهة حول آية من آيات القرآن بخصوص دعوى وجود أخطاء في القرآن فإذا بي وانا اتناول الرد على هذه الشبهة اراها من بلاغة القرآن وإعجازه

ولو أن الاخوة المشرفين يضعون قسما خاصا برد الشبهات حول الإسلام يشارك فيه الإخوة طلبة العلم فقد اصبحنا نواجه هجمة شرسة من التشويه لحقائق الإسلام والافتراء عليه ولزمنا ان نرد عليها ونحل مشكلها ونوضح ضعفها وزيفها لان لنا اخوان يواجهون بهذه الشبهات وقد تعوزهم الحجة والتحصيل العلمي للرد فهو أحد رجلين إما ساكت فيكون في خطر من تعلق الشبهة بقلبه أو راد بجهل فيكون ضره أكبر من نفعه

لكن بوجود مرجع لهذه الردود على منهج صحيح نكون قد عصمنا إخواننا من تعلق الشبهات بقلوبهم ومن القول في الدين بما لم ينزل به سلطانا

وهذه يا اخوة الشبهة وما وفقني الله في الرد عليها وارجوا منك التعليق وتصحيح ما اخطأت فيه فإني ارجو أن أنال مما عندكم من العلم وجزاكم الله خيرا

الشبهة: جاء في سورة البقرة 2: 17 (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ

مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ). وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول ذهب الله بنوره.

الجواب: إن الظمير هنا ليس عائد على الذي استوقد النار ولكن عائد على المنافقين وهم جمع والدليل ما بعده حيث قال صم بكم عمي فهم لا يعقلون ومن ذهبت ناره وبقي في الظلام لا يصاب بالصمم والبكم وفقدان العقل.

وهذا من روعة البلاغة القرآنية لأن من خاصية القرآن أنه متى كان الشيء مشارا اليه في المعنى حذفه لفظا مثال ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} ففي الأية حذف كل ما دل السياق عليه ولو اردنا ان نعيد كتابة الاية مع بيان المحذوف لكان النص كالآتي: قد كان لكم آية في فئة التقتى فئة (مؤمنة) تقاتل في سبيل الله واخرى (تقاتل في سبيل الطاغوت) كافرة.

حذفت كلمة مؤمنة لان كلمة كافرة الآتية تدل عليها للتناقض بين الفئتين كما حذفت تقاتل في سبيل الطاغوت لدلالة تقاتل في سبيل الله عليها لنفس السبب.

ومثاله في الشعر ما أورده الإمام عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز [جزء 1 - صفحة 136] للبحتريِّ

قَدْ طَلَبْنا فلمْ نَجدْ لكَ في السُّؤدَدِ ... والمَجْدِ والمَكارمِ مِثْلا

المعنى: قد طَلبنا لك مثلاً ثم حُذِفَ لأن ذكرَه في الثاني يدلُّ عليه. ثم إنَّ للمجيءِ به كذلك منَ الحُسْن والمزيَّة والرَّوعة ما لا يَخْفَى.

ولو أنه قال: طَلبنا لكَ في السؤددِ والمجدِ والمكارمِ مثلاً فلم نجدْه لم تَرَ مِنْ هذا الحُسن الذي تراهُ شيئاً انتهى كلام الإمام الجرجاني

فانظر كيف يأتي بأقل الألفاظ دون الخلل في المعنى وهو أهم أبواب البلاغة.

ونفس الشيء في الآية محل السؤال، إذ الآية تشبه حال من استوقد نار فجاء أحد وأخذها وذهب بها بحال المنافقين الذين شهدوا ظاهرا بالإيمان فكان هذا نور اوقدوه لكن سرعان ما ذهب به كفرهم الباطن فغرقوا في الظلمات.

والتشبيه غاية في الروعة والكمال، ثم إنه حذف كل ما دل عليه السياق لأنه سيكون حشوا قد نزه عنه كلام الله.

والآن تعال نكتب الآية بدون حذف وقارن بين التعبيرين تجد اللفظ القرآني غاية في الروعة والإعجاز.

فالأية بعد إضافة ما حذف تكون: مثل المنافقين بإيمانهم الظاهري وكفرهم الباطني فذهب الله بنوهم وتركهم في الظلمات لا يبصرون كمثل من استوقد نارا فجاء أحدهم وذهب بالنور وتركه في الظلام

قارن أرشدك الله إلى الفرق الشاسع بين النص القرآني والجملة التي كتبناها، ولو خير من كان له أدنى ذوق لاختار النص القرآني بلا تردد.

وانظر كيف جاء بفعل استيقاد النار الذي هو شيء يحتاج لعناء من طلب الحطب وتجهيز النار وتغطيتها من الرياح حتى لا تنطفأ، وكذا حال المنافقبن فبايمانهم الظاهري اصبحوا مكلفين بشرائع الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد.

وهي فيها ما لا يخفى من المشقة على النفس، ثم بعد كل العناء الذي تجشموه بهذه التكاليف ذهب جهدهم جفاء ولم تنفعهم بشيء.

فحالهم كحال صاحب النار الذي تعب في استيقادها ثم ما لبث أن جاء من أخذها منه وتركه يتخبط في الظلام.

وهذا فيه ابلغ الإشارة أن من تخلى عن أداء حق النور الإلهي فإن الله يذهبه عنه ويعطيه لمن يحفظ حقه ويرعى حرمته.

كما أشار النص إلى أن المنافق قد يكون ممن ينشر هذا الدين دون أن يشعر أو يريد –وهذا جلي في قوله تعالى فأضاءة ما حوله إذ تعدى الضوء إلى غيره- كما يقع لمن يوقد النار يريد الانتفاع بها ولا يريد نفع غيره ويأتي من يأخذها منه وهو لا يستطيع منعه.

وهذا فيه أشد المكر بهم حيث هم أردوا المكر والخداع والكيد للإسلام بنفاقهم فيكون استغلالهم في نشر هذا الدين ونصرته إبطال لمكرهم وكيدهم.

فكم حملت هذه الآية من معاني جليلة وفوائد عديدة ولكن لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد والحمد لله رب العالمين

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير