تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[(طرق الترقي في الكتابة) للشيخ الخضر حسين]

ـ[عبدالله بن حسين الراجحي]ــــــــ[02 - 11 - 05, 08:32 ص]ـ

(طرق الترقي في الكتابة)

لست هذه الصناعة كغيرها من الفنون: لها قواعد ومسائل مدونة يتدارسها الكتاب , فتنتهي بهم إلى معرفة إيراد الكلام في معاريض الفصاحة وحسن الاطراد في أنحائها , وإنما هي عبارة عن تنبيهات ترشد إلى الجهات التي تنمو بها قوى التفنن في تصاريف الألفاظ , والتأنق في تحسين هيآتها التأليفية.

ولا نستفيق جهدا إن شاء الله في البحث عن تلك التنبيهات واستقصائها , والإيماء إلى الكيفيات التي ينبغي أن توضع التراكيب في قوالبها , عسى أن تبعث تذكرتها في أفئدة نصراء اللغة العربية من أبناء هذا العصر: نشاطا جديدا , فيجهدوا أنفسهم عصبة واحدة , ليلجوا بنا في حدائق ناضرة , ومروج خضرة , مما تستبدعه الأنفس وتلذه الأسماع.

الإجادة في وضع الأقاويل أحكم وضع: لا يأخذ بناصيتها إلا من كانت له قوة حافظة , وقوة مايزة , وقوة صانعة: فالقوة الحافظة يستوعب بها الكاتب من مواد اللغة ما يسعه لكل غرض يأخذ في تفصيله وتفهيمه , حتى يكون آمنا مطمئنا من أن يكبو لسانه عيا وفهاهة , عندما يدفع لوصف خيل , أو نظام جيش , أو حالة حصن , أو سلاح , أو معمل , أو صورة حرب , مثلا.

والقوة المايزة يمتاز بها ما يحسن من الكلام بالنظر إلى ترصيف كلمة وتآلف حروفه , وبالنسبة إلى المقامات التي يوجه إليها بسياقاته , فقد يتفق مقولان لشخص واحد , ويكون أحدهما في نفسه , والآخر أحسن بالنسبة إلى موقعه.

والقوة الصانعة هي التي تتولى العمل في ترتيب الألفاظ والمعاني , والتدرج من بعضها إلى بعض , فتصدرها ملتئمه النسج غير متخاذلة النظم , بريئه من التمايز الذي يجعل كل جملة كأنها منحازة بنفسها:

لا تكمل القوة المايزة إلا بالانصباب على مطالعة المنشآت البعيدة الغور في بيانها , المنتميه إلى الطرف الأعلى: في عذوبة ألفاظها , ورشاقة معانيها , وبتوسم ما أرسل في طيها من الاعتبارات المناسبة , بذوق جيد ومهل في النظر. فمعرفة الفنون البلاغية وحدها غير كافية لاستواء هذه القوة واستحكامها , فقد نجد في المتضلعين من قوانينها , الخبيرين بلحمتها وسدادها: من لايفرق بين الأقاويل المتفاوته في بلاغتها وصفاء ديباجتها , وإن ارتفع بعضها فوق بعض: درجات.

ولا تبلغ القوة الصانعة مبلغ التمكن وسرعة الترسل إلا بعد ارتياضها بالتمرن والاستخدام في كل غرض تخفق عليه إرادتها , في أزمنة متوالية.

ومما يربط بالأسف والتحسر على قلب كل مسلم أينع في صدره غصن الغيرة على اللغه الفصحى: أنك ترى في الذين أوسعوا العلوم الأدبية خبرة , وساروا في التطلع على الإنشاءات الرفيعة عنقا فسيحا , حتى أدركوا مغامزها وأشرفوا على ما وراء أكماتها: يعجز عن التصرف في صوغ فقرات تلم شقاقا أو تؤكد إخاء مثلا , وذلك , لفقده القوة الصانعة , التي لا يقيم صليها إلا الإدمان على العمل , وهو القاعدة التي يجري عليها كل تقدم وارتقاء.

ومن الطرق التي تنهض بالكاتب في زمن يسير , وتساعد قوته الصانعة على الإجابه في طرفة عين , وتطبع في صحيفتها ملكة الهجوم المعاني وبثها في ألفاظ رصينة غير متوعرة: انحيازه إلى دري بشعاب هذه الصناعة , يقف به على المنافذ التي يسري منها الخلل إلى التأليف , ويبصره بالمذاهب التي ارتقت من نحوها التحارير الفائقة.

ولقد قال أئمة الصناعة الشعرية: لا تجد شاعرا إلا وقد لزم شاعرا آخر المدة الطويلة , وتعلم منه قوانين النظم , واستفاد منه الدربة في أنحاء التصاريف البلاغية.

فقد كان كثير أخذ الشعر عن جميل , وأخذه جميل عن هدبة بن خشرم , وأخذه هدبة عن بشر بن أبي حازم , وكان الحطيئة قد أخذ علم الشعر عن زهير , وأخذه زهير عن أوس بن حجر , وكذلك جميع شعراء العرب المجيدين. والشعر والكتابة أخوان.

كتبه

محمد الخضر حسين

شيخ الجامع الأزهر

ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[02 - 11 - 05, 01:15 م]ـ

الاخ الفاضل الراجحى شكرا لك

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير