[فن المقالة]
ـ[د ـ عبدالله التويجري]ــــــــ[07 - 09 - 05, 11:40 م]ـ
[فن المقالة]
عناصرها ـ أنواعها
المقدمة:
تُعد الحياة في البحر مسرفة إسرافاً أبعد من كل خيال، سواءً في وفرتها، أو تنوُّعها، أو قِدمها، أو غرابتها، أو جمالها، أو شراستها بغير تعقل، وبما ليس له نظير آخر في الطبيعة، وتتراوح الكائنات البحرية من ملايين بلايين الكائنات الميكروئية، التي تجوب البحر في المياه الزرق، إلى حيتان المحيط المتجمد الجنوبي، الزرق الذي يبلغ طول الواحد منها ثلاثين متراً، ويزن مائة وثلاثين طناً، وتشتمل هذه الكائنات على أجمل الأنواع، التي لم تجد الطبيعة بمثلها، كتلك الأسماك الرائعة الفضية، وتلك الحيوانات التي تتفتح كالزهور، وكتلك الشعب المرجانية المتلألئة، وكتلك الديدان التي يبلغ طولها سبعة وعشرين متراً وكتلك الأسماك التي تتلون بأحد ثمانية ألوان، فإذا وقفنا عند أكبر هذه الكائنات وهو الحوت، فإنه يحتاج إلى أربعة أطنان من السمك، تدخل في معدته حتى يشعر بالشبع، ويحتاج وليده إلى ثلاثمائة كيلو من الحليب في الرضعة الواحدة.
ويتدفق من جسم الحوت في أثناء صيده ثمانية أطنان من الدم، وفيه خمسة وعشرون طناً من الدهن، وخمسون طناً من اللحم وعشرون طناً من العظام، وتزن أعضاؤه الداخلية ثلاثة أطنان، ولسانه طنين ونصف ويستخرج منه ما يزيد على مائة وعشرين برميلاً من الزيت، وقد استطاع حوت أن يجر سفينة ثمانية ساعات ونصف، بسرعة خمس عقد في الساعة، والسفينة تُعمِل محركاتها بأقصى اتجاه معاكس لسيره.
هذه فقرات من مقالة علمية عن الكائنات البحرية، مأخوذة من مجموعة " لايف " العلمية، أردت أن استهل بها هذه المقال عن فن المقالة، لتكون تجسيداً ومتكأً للأفكار النظرية المتعلقة بهذا الموضوع.
****
تعريف المقالة:
المقالة كما يعرفها أدمون جونسون، فن من فنون الأدب، وهي قطعة إنشائية، ذات طول معتدل تُكتب نثراً، وتُلِمُّ بالمظاهر الخارجية للموضوع بطريقة سهلةٍ سريعة، ولا تعنى إلا بالناحية التي تمسُّ الكاتب عن قرب.
والمقالة ـ بتعريف آخر ـ قطعة من النثر معتدلة الطول، تعالج موضوعاً ما معالجة سريعة من وجهة نظر كاتبها، وهي بنت الصحافة نشأت بنشأتها وازدهرت بازدهارها.
كلمة " موضوعاً ما " في التعريف تعني أن المقالة من أكثر الفنون الأدبية استيعاباً وشمولاً لشتى الموضوعات، فموضوعات كالتضخم النقدي، وأساليب الإعلان والتخدير بالإبر، لا يمكن أن تحملها أجنحة الشعر، ولا حوادث القصة، ولاحوار المسرحية، والمقالة وحدها تتقبل مثل هذه الموضوعات، وأية موضوعات أخرى وتجيد توضيحها وتحسن عرضها.
وكلمة " معالجة سريعة " في التعريف تعني أن كاتب المقالة، مازاد على أنه سجل تأملات، أو تصورات أو مشاهدات تغلب عليها العفوية والسرعة، فلو كانت المعالجة متأنية فجمعت الحقائق، وفحصت وصنفت، واعتمد على الإحصاء، والتجربة والمتابعة، لعُدَّ هذا العمل بحثاً علمياً، وليس مقالة أدبية.
فلو قرأت في مجلة علمية، أن طيور البلاكبول، تطير في الخريف إلى شاطئ المحيط الأطلسي، ومن هناك تقوم برحلة جوية لا تصدق فوق البحار، في اتجاه أمريكا الجنوبية، مجتازة مسافة أربعة آلاف كيلو متر بلا توقف، خلال ست وثمانين ساعة، على ارتفاع يزيد على ستة آلاف متر، لو قرأت هذه الفقرة لعرفت أن هذه الأسطر قد كلفت العلماء سنوات طويلة من الملاحظة، والمتابعة، فهذه فقرة من بحث علمي وليس مقالة أدبية.
وكلمة من " من وجهة نظر كاتبها " تعني أن المقالة تعبِّر عن ذات كاتبها أكثر مما تُعبِّر عن موضوعها؛ لأن كاتب المقالة يرى الأشياء من خلال ذاته، وما يعمل فيها من مشاعر وانفعالات.
استمعوا معي إلى أحد الكتاب، يتحدث عن طائرة:
" طائر صغير أحببته شهوراً طوالاً، غرد لكآبتي فأطربها، ناجى وحشتي فآنسها، غنّى لقلبي فأرقصه، ونادم وحدتي فملأها ألحاناً ".
****
المقالة فن عصري:
كُتب على غلاف أحدى المجلات ذات الطبعات الدولية، أكثر من مائة مليون يقرؤون هذه المجلة، في مائة وثمانين بلداً، وبخمسة عشر لغة فما سر هذا الإقبال الشديد على مطالعة المقالات المنوعة في الصحف والمجلات، وفي كل أقطار العالم؟.
¥