مما تقدَّم يتضح أنَّ الصيغة الصَّرفية هي مبنى صرفي، يُمثل القوالب التي يَصبُّ فيها المتكلِّمون المادةَ اللُّغوية؛ ليَدلُّوا بها على معانٍ معينة ومحددة لما يدور بِخَلَدهم، ويجول في أذهانهم وأفكارهم.
أمَّا الميزان الصَّرفي، فهو مبنًى صوتيٌّ يُناط به أمرُ بيان الصُّورة الصَّوتية النِّهائيَّة، التي آلت إليها المادَّة اللغوية [2] ( http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn2).
ولَمَّا كانتِ الصِّيغة الصَّرفية الواحدة صالحةً لأنْ يأتيَ عليها أكثر من اسم واحد؛ كالمصدر، واسم المفعول من غير الثلاثي، واسم الزَّمان، واسم المكان، والمبالغة؛ فقد يختلف توجيه القراءات القرآنية تبعًا لتوجيه القارئ للصِّيغة الصرفيَّة، مما يتولَّد عنه اختلافٌ في تفسير النصِّ القرآني، والذَّهاب به إلى تفسيرٍ قد يخالف المعنى المراد منه، كما يتولَّد عنه اختلافٌ في إعراب الجملة التي منها الصِّيغة؛ مثال ذلك
- قول الله تعالى: {يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المْفَرُّ} [3] ( http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn3):
قرأها الجمهور (المَفَر) بفتح الميم والفاء على أنَّها مصدر، وعليه يكون المعنى: أين الفِرار؟
وقرأها ابن عباس، وعِكرمة، وأيوب السختياني، والحسن البصري (المَفِر) بفتح الميم، وكسر الفاء، على أنَّها ظرفُ مكان، وعليه يكون المعنى: إلى أين الفِرَار؟
وقرأها الزهري (المِفَر) بكسر الميم وفتح الفاء، على أنَّها صيغة مبالغة نحو قولهم: رجل مِطَعْن ومِضَرْب؛ أي: مِطعان ومِضراب؛ كما في قول امرئ القيس:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
والمعنى حينئذ: أين الإنسان الجيد الفِرار، ولن ينجوَ مع ذلك؛ أي: ليس هناك مطمع في الحياة [4] ( http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn4).
- قول الله تعالى: {وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [5] ( http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn5):
قرأها حفص عن عاصم (مَهْلِكِهم) بفتح الميم وكسر اللام، على أنَّها مصدر بمعنى: إهلاكهم، وعليه يكون المعنى: وجعلنا لإهلاكهم موعدًا، وقد يراد بها اسم الزَّمان، وحينئذ يكون المعنى: جعلنا لزمن إهلاكهم موعدًا.
وقرأها أبو بكر (مَهْلَكِهم)، بفتح الميم واللام، على أنَّها مصدر؛ نحو: مَطْلَع، ومَدْخَل، ومَخْرَج؛ والمعنى حينئذ: جعلنا لهلاكهم موعدًا.
وقرأها الجمهور: {مُهْلَكِهِمْ}، بضم الميم وفتح اللام، على أنَّها مصدر بمعنى: الإهلاك نحو: مُدْخَل، ومُخْرَج؛ وقد يراد بها اسم المفعول بمعنى: مَنْ أُهْلِكَ، أو ما أُهْلِكَ منها، والمعنى حينئذ: وجعلنا لِمَن أُهلِك موعدًا [6] ( http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn6).
- قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ} [7] ( http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn7)[/URL].
قرأها الجمهور: (خَسِرَ) بصيغة الماضي، فتكون جملة: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ} بدلاً من جملة: {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ}، كأنه قال: وإن أصابته فتنةٌ خسر الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ} [ URL="http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn8"][8] (http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn7)؛ لأن مضاعفة العذاب هي لُقى العذاب.
وقرأها مجاهد، وحميد بن قيس: (خاسِر)، بصيغة اسم الفاعل، وعليه تكون جملة (خاسر الدنيا والآخرة) منصوبة على الحال؛ أي: انقلب على وجهه خاسرًا [9] ( http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn9).
- قول الله – تعالى -: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى} [10] ( http://www.alukah.net/articles/2/5692.aspx?cid=45#_ftn10).
¥