أما بالنسبة للشعر، وهو ديوان العرب، فيمكنك البدء بشوقي وحافظ، ثم أبو نواس وأبو العتاهية، ثم جرير والفرزدق، ثم البحتري وابن الرومي، ثم أبو تمام والمتنبي، ثم المعلقات الجاهلية.
الجميل في قراءة الكتب اللغوية الأدبية، أنك لا تحتاج أن تعكف على كتاب واحد لا تغادره، بل بإمكانك أن تقرأ قصيدة، ثم تنتقل إلى خطبة، ثم إلى بعض الحكم والأمثال ... وهكذا. فكأنك في حديقة تنتقي بين أزهارها كيفما شئت. وهذا أدفع للملل.
ومن هَدي العلماء أنهم يجعلون " فترتهم " في قراءة هذه الكتب. فالنفس تكل وتمل، وإذا أُكرهت عميت، فإذا كَلَّ الذهن عن التحقيق والتدقيق في الحديث والفقه والتفسير وما شابه، روَّحوا عن أنفسهم بالأشعار والأنثار والخطب والحكم والأمثال.
من المهم: القراءة والتصحيح على يد من يتقن العربية. في بعض كليات اللغة العربية لا يستطيع المرء دخول الدراسات العليا إلا بعد اجتياز اختبار، عبارة عن قراءة صفحتين أو ثلاث - باختيار مسبق من اللجنة - قراءة عربية فصيحة، علمًا بأن الكلمات عارية - قصدًا - عن علامات التشكيل. حسبك أن تعلم أن كثيرين فشلوا في هذا الاختبار، مع أنهم حصلوا على تقديرات مرتفعة في مرحلتهم الجامعية من دراسة العربية.
في نهاية المطاف تأتي كتب اللحن اللغوي أو التصحيف أو الأخطاء الشائعة. لكن هذه الكتب ثمرتها أقل في تقويم اللسان وأبطأ.
يمكنك في دقائق معدودة أن تعلِّم غير المسلم كيف يتوضأ، ووسيلتك السهلة هي أن تتوضأ أمامه بالفعل. لكن جرِّب أن تعطيه كتابًا في كيفية الوضوء، وتأمل النتيجة: سيأخذ وقتًا لا بأس به في القراءة، ثم لن يفهم بعض المكتوب، ثم قد لا يتصور بعض الكيفيات، وإذا تجاوز هذا كله فقد ينسى الترتيب الصحيح.
والمقصود أنه بإمكانك أن تجرِّد كتب اللحن اللغوي، وستعرف أن الألفاظ الفلانية خاطئة، وصوابها كذا، لكن حين التنفيذ - أقصد الكتابة أو الإلقاء - لن تتذكر كثيرًا من هذه المحاذير.
وحتى لو تذكرت أن اللفظة الفلانية التي ستنطقها خاطئة وأن صوابها كذا، فقد تجد أن صواب اللفظة لا يوصل المعنى الذي تود إيصاله، أو لا يعطي التأثير المطلوب. وهذا راجع إلى قلة المخزون اللغوي عندك في هذا المعنى على الأقل.
أما إذا حرصت على أخذ نصيبك من المخزون اللغوي الصحيح الجميل، فلن تجد نفسك مشلولاً أمام معنى تريد إيصاله، لأن جعبتك بها لفظ وثانٍ وثالث.
هذا عن تقويم اللسان ..
وأما دراسة العربية وعلومها، فلا يكفي ما سبق وحده، وإن كان مهمًا، لكن سنحتاج إلى طريق آخر ..
البداية هي النحو بالطبع. وأفضل بداياته " الآجرومية " لا سيما بشرح محيي الدين بن عبد الحميد. ثم ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل أو أفضل المسالك لابن هشام بتحقيق محيي الدين بن عبد الحميد.
بعد الآجرومية، هناك " دروس في التصريف " لمحيي الدين بن عبد الحميد.
بعد النحو والصرف ستكون " البلاغة الواضحة " أفضل بداية لدراسة علوم البلاغة.
هناك علوم أخرى للعربية مهمة، يحتاج إلى الإلمام بمبادئها طالب العلم غير المتخصص في العربية، مثل علم اللغة العام، وفقه اللغة، والمقارن، وقضايا التطور اللغوي ... الخ، وكذا في الأدب: النقد الأدبي، والمقارن، والفنون الأدبية ... الخ.
لكن طالب العلم غير المتخصص في العربية، إذا أراد الإلمام بمبادئ هذه العلوم، يكفيه أن يقرأ بنفسه في أهم كتبها. لا سيما أن العديد من هذه العلوم ليس علمًا مكتملاً في الحقيقة، وإنما هو بضع قضايا رئيسية يتفرع عنها العديد من المسائل الفرعية، لكن جعلوها علمًا لا أدري لماذا. الغرب مهووس بتحويل كل قضية إلى علم قائم بذاته. أحيانًا أتخيل أن الغرب سيجعل رباط حذائي علمًا له مناهجه وأساليبه ومدارسه وخبراؤه المتخصصون فيه الذين سيعقدون الندوات والمؤتمرات لتبصير العالم بقضايا هذا العلم الخطير ويناشدون رجال الأعمال والمؤسسات العلمية الكبرى بتقديم التمويل اللازم لتخصيص قنوات فضائية مستقلة حتى يمكنهم ملاحقة تطورات هذا .. الرباط!
فهذا عن دراسة علوم العربية، وقبله كان الكلام عن تقويم اللسان .. وكلامي في كليهما يناسب طالب العلم الشرعي الذي لا يرغب أن يكون متخصصًا في اللغة العربية.
بالنسبة لطلبك الأخير، فيؤسفني أني لن أستطيع خدمتك فيه. حتى لو تجاوزنا مشكلة ضيق الوقت، فلست بالرجل الذي تنشده. لست بأهل لهذه المهمة. وأحسبك بالنضج المطلوب لتفهم أن كلامي ليس فيه أي تواضع.
لكن لنتذاكر ما شاء الله من المسائل. والمستعان الله.
أخوكم المحب / أبو محمد.
ـ[محمد البيلى]ــــــــ[11 - 05 - 09, 03:19 ص]ـ
للرفع
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[11 - 05 - 09, 03:26 ص]ـ
يحفظ يحفظ في المفضلة , شكر الله لك وبارك فيك وغفر ذنبك وأصلح حالك ومآلك
¥