تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(8).

لكن الجمهور قد استدلوا على اشتراط المروءة في الشهود بأدلة من القرآن والسنة، أما القرآن فقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ((البقرة:282) فالشاهد العدل هو من ارتضيت شهادته حسب العرف السائد في الزمان والمكان الذي تؤدى فيه الشهادة (9).

ومن أدلتهم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (10)، وقليل الحياء لا مروءة له، لأن من لا يستقبح القبيح في العادات لا يستقبح الكذب فلا تحصل الثقة بشهادته (11).

وقد لاحظ بعض الفقهاء أن معاني المروءة التي يذكرها الأدباء والزهاد والمنقولة عن السلف واسعة لا يمكن أن يقال باشتراط جميعها في عدالة الشهود، لذلك فقد قسموا هذه الخصال إلى أقسام، فقال الجصاص متعقبا كلام الشافعي:" فأما شرط المروءة فإن أراد به التصاون والسمت الحسن وحفظ الحرمة وتجنب السخف والمجون فهو مصيب وإن أراد به نظافة الثوب وفراهة المركوب وجودة الآلة والشارة الحسنة فقد أبعد" (12).

وقال الماوردي:" وهي على ثلاثة أضرب: ضرب يكون شرطا في العدالة، وضرب لا يكون شرطا فيها، وضرب مختلف فيه، وأما ما يكون شرطا فيها فهو مجانبة ما سخف من الكلام المؤذي أو المضحك وترك ما قبح من الضحك الذي يلهو به أو يستقبح… فمجانبة ذلك من المروءة التي هي شرط في العدالة وارتكابها مفض إلى الفسق، لذلك نتف اللحية من السفه الذي ترد به الشهادة وكذلك خضاب اللحية من السفه الذي ترد به الشهادة، لما فيها من تغيير خلق الله تعالى.

فأما ما لا يكون شرطا فهو الإفضال بالمال والطعام والمساعدة بالنفس والجاه، فهذا من المروءة وليس بشرط في العدالة. وأما المختلف فيه فضربان: عادات وصنائع …" (13).

الفرع الثالث: المرجع في الحكم بانخرامها إلى القضاة

ولما كانت هذه المروءة مختلفة باختلاف الزمان والمكان والأعراف، وكان عسرا ضبطها فقد أرجع الفقهاء الحكم بانخرامها إلى القضاة في كل عصر ومصر، بحسب ما يناسب عرفهم.

قال الغزالي:" والعدالة عبارة عن استقامة السيرة والدين ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا" (14)، ثم قال:" وقد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة نحو الأكل في الطريق والبول في الشارع وصحبة الأراذل وإفراط المزح، والضابط في ذلك فيما جاوز محل الإجماع أن يرد إلى اجتهاد الحاكم فما دل عنده على جراءته على الكذب رد الشهادة به وما لا فلا وهذا يختلف بالإضافة إلى المجتهدين وتفصيل ذلك من الفقه لا من الأصول ورب شخص يعتاد الغيبة ويعلم الحاكم أن ذلك له طبع لا يصبر عنه ولو حمل على شهادة الزور لم يشهد أصلا فقبوله شهادته بحكم اجتهاده جائز في حقه ويختلف ذلك بعادات البلاد واختلاف أحوال الناس في استعظام بعض الصغائر دون بعض" (15).

وقد نص بعضهم أن الخارم الواحد في الزمان الواحد والمكان الواحد قد يعتبر في حق بعض الناس دون بعضهم، قال الباقلاني:" فرب شخص في نهاية من التورع والتدين يبدر منه مثل ذلك فلا يتهم ويعلم أن قصده ترك الرياء وتجنب التكلف، ورب شخص يؤذن صدور ذلك منه بقلة مبالاته، وهذا مما لا سبيل إلى ضبطه وهو يختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأشخاص فلا وجه للقطع فيه ولكن يفوض الأمر إلى الاجتهاد" (16).

قال القرطبي:" وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك والعادة متباينة فيه وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم ومذهب أهل البدو غير مذهب الحضر" (17).

تنبيه

وعند المتأخرين وفي زماننا هذا لا يشترط في عدالة الشهود أكثر من السلامة من الكذب ضرورة (18).

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[14 - 02 - 08, 12:55 م]ـ

المطلب الثاني: المروءة عند أهل الحديث

الفرع الأول: المروءة من آداب المحدث

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير