تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[اشتراط المروءة في عدالة رواة الحديث]

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[14 - 02 - 08, 12:51 م]ـ

[اشتراط المروءة في عدالة رواة الحديث]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فمن موضوعات علم الجرح والتعديل التي تحتاج إلى شرح وتبيين تقعيدا وتأصيلا وتطبيقا وتمثيلا؛ موضوع جرح الرواة بمخالفة مقتضى المروءة، فقد جرى ذكر المروءة في كتب علوم الحديث على أنها من شروط العدالة وأن اختلالها يكون سببا في القدح في الراوي وترك روايته، وربما أيد ذلك بنصوص منقولة عن بعض الأئمة، وهذه القاعدة المذكورة نظرية لا تكاد تجد لها تطبيقا عمليا صحيحا عند الأئمة المتقدمين، بل ولا عند الأئمة المتأخرين، ذلك أني رأيت جميع الأمثلة المذكورة-حسب اطلاعي القاصر- انفرد بها إمام من الأئمة مخالفا غيره في حق راو من الرواة دون غيره، ولو طلبت مثالا لراوٍ الصوابُ تضعيف حديثه لأجل المروءة لما وجدت، فلما رأيت الأمر كذلك عزمت أن أكتب فيها بحثا أجمع فيه بين البحث النظري التأصيلي والجانب التطبيقي، وأبين فيه المذهب الراجح، وأشرح وجه وقوع هذه المسألة في كتب علوم الحديث، وأعرضه على أهل الاختصاص والله تعالى الموفق.

المطلب الأول: المروءة عند الفقهاء

الفرع الأول: حقيقة المروءة عند الفقهاء

المروءة في اللغة الإنسانية والرجولية لأنها مأخوذة من المرء وهو الإنسان (1)، وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تحديد معناها في اصطلاحهم، ومعانيها متقاربه ومن أحسنها لفظا قول الفيومي:" المروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف على محاسن الأخلاق وجميل العادات" (2).

إلا أن منهم من يدخل في حدها الآداب الواجبة بالشرع فتصبح هي والعدالة سواء أو أعم منها، كمن يذكر ملازمة التقوى من خصالها، لكن غالب المقصود بها عند أكثرهم ما ليس من الآداب الواجبة بالشرع التي يكون مخالفها عاصيا والمصر على مخالفتها فاسقا، فهي أمر زائد وخارج عن التقوى، ولكنهم يستدلون بمخالفة هذه الآداب الظاهرة على عدم التقوى. ومنهم من يؤكد على أنها قضايا عرفية تختلف بالزمان والمكان، كالنووي الذي قال: "المروءة التخلق بأخلاق أمثاله في زمانه ومكانه" (3).

الفرع الثاني: اشتراط المروءة في عدالة الشهود

من أول من نص على اشتراط التزام خصال المروءة في العدالة الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه الأم حيث قال: "وليس من الناس أحد نعلمه-إلا أن يكون قليلا- يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بشيء من معصية، ولا ترك مروءة ولا يمحض المعصية ويترك المروءة حتى لا يخلطه بشيء من الطاعة والمروءة، فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة رددت شهادته" (4).

وقد اعتبر جمهور الفقهاء المروءة في عدالة الشهود ووافقوا مذهب الشافعي، هذا مع اختلافهم في الفروع كالأكل في السوق واحتراف الحجامة وكنس الزبالة والمشي حافيا أو مكشوف الرأس ….

قال المرغناني فيمن لا تقبل شهادته: «ولا من يفعل الأفعال المستحقرة كالبول على الطريق والأكل على الطريق» وقال في الشرح:" لأنه تارك للمروءة وإذا كان لا يستحي عن مثل ذلك لا يمتنع عن الكذب فيتهم" (5).

وقال ابن جزي فيما يسقط العدالة:" وتسقط أيضا بفعل ما يسقط المروءة وإن كان مباحا كالأكل في الطرقات والمشي حافيا أو عريانا" (6).

قال ابن قدامة:" فلا تقبل شهادة غير ذي المروءة كالمغني والرقاص والطفيلي والمتمسخر ومن يحدث بمباضعة أهله ومن يكشف عورته في الحمام أو غيره أو يكشف رأسه في موضع لا عادة بكشفه فيه ويمد رجليه في مجمع الناس وأشباه ذلك مما يجتنبه أهل المروآت لأنه لا يأنف من الكذب" (7).

وخالف في ذلك ابن حزم الظاهري لأن الأدلة إنما اشترطت العدالة وهي مبنية على الطاعة والمعصية لا بشيء زائد عليها، قال رحمه الله:" وقال الشافعي إذا كان الأغلب والأظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته، وإذا كان الأغلب من أمره المعصية وخلاف المروءة ردت شهادته، قال أبو محمد: كان يجب أن يكتفي بذكر الطاعة والمعصية وأما ذكره المروءة هاهنا ففضول من القول وفساد في القضية، لأنها إن كانت من الطاعة فالطاعة تغني عنها وإن كانت ليست من الطاعة فلا يجوز اشتراطها في أمور الديانة إذ لم يأت بذلك نص قرآن ولا سنة"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير