10 - رأيتني أيها القارئ الكريم أقترح في فاتحة هذه الأسطر وجوب عد آيات القرآن في المصاحف والتفاسير عدًّا موحدًا خالياً من الخلاف والخطأ. ووجدتني بينت لك فيما تقدم (برقم3) أن للسلف ستة أقوال في حصر جملة آيات الكتاب العزيز ولكنها غير متطابقة وكأني بك الآن تطالبني بما أجيب به إذا سئلت عن تعيين ذلك العد وتحديده ولذلك أراني ملزمًا بمكاشفة القارئ الكريم عن رأيي في ذلك وعرضه على محك النظر لاختباره والحكم عليه بما يؤدي إليه النقد فأقول: قد جعلت أول الفكرة اختيار عدّ من عدود السلف الستة للغرض الذي نتكلم في شأنه ولأجل فرزه من بينها استخرجت من مجموع الصفات التي تبينت لي في تلك الأقوال الستة خمس مرجحات قلت: إذا توافرت كلها أو أكثرها في واحد منها وقع الاختيار عليه أو صار ذلك القول أحقبا لاختيار من غيره، وتلك المرجحات الخمس هي ما يأتي:
الأول: ترجيح الأقوال المنقولة عن أهل الأماكن التي نزل الوحي بها على غيرها لصيانة التوقيف فيها بكثرة الحفاظ والملقنين منهم في غيرها من البقاع.
الثاني: ترجيح ما لم تضطرب الروايات في عد مواضعه على غيره؛ لأن الاضطراب في موضع يؤدي إلى الشك فيه (والاضطراب شك يقع من الراوي بسبب النسيان أو ضعف الذاكرة أو ما شاكل ذلك).
الثالث: ترجيح ما قلت فيه المعدودات الإفرادية من الفواصل الخلافية على غيره؛ لأن الموضع الذي يأتي عده في قولين فأكثر أقرب إلى الثقة بعده مما لم يجئ عده إلا في قول واحد.
الرابع: ترجيح العد الذي يجزم في جملة آياته وتفصيلها برواية واحدة مقطوع بها على غيره مما ليس ذلك وسببه بيّن.
الخامس: ترجيح ما انعدمت منه مواضع الخلف على غيره؛ لأن الخلف في موضع موجب للشك فيه كالاضطراب بل أكثر، والخلف في موضع معين من قول معين هو انقسام عادّي ذلك القول في عد ذلك الموضع إلى قسمين أحدهما يقول بِعَدِّه والآخر لا يقول به (الخلف يقع من العادّين أنفسهم وأما الاضطراب فإنه يقع من الرواة فتأمل).
وبعرض هذه المرجحات الخمس على كل قول من أقوال السلف الستةوجدت المدني الأخير قد فاز منها بحظ لم يكمل مثله لغيره كما تتبينه من الجدول الآتي، ولذلك وقع عليه اختياري فهذا ما أجيب به، ولك أيها القارئ الكريم الشأن فيما تتبين فيه الأولوية والأرجحية؛ لأني ما قلت إلا ما وصل إليه مبلغ علمي والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وهاهو الجدول الذي أشرت إليك بالنظر فيه قريبًا
اسم البقعة
التي نقل القول
عن أهلها عدد المواضع
المضطربة معدوداته
الإفرادية
جلس
الرواية
مواضع
الخلف
أعداد
مسلسلة
اسم القول
المدينة المنورة 1
3
1 مجزوم بها 6
1
المدني الأول
" "
1 4
1 مجزوم بها 6 2
المدني الأخير
مكة المكرمة
4
5
2 لم يجزم بواحدة منها لم تحدد 3
المكي
بلاد الشام
1
18 2 مجزوم بكلتيهما 1
4
الشامي
الكوفة 1
43 1 مجزوم بها 1 5
الكوفي
البصرة
1
08 2 مجزوم بكلتيهما 1 6 البصري
ولست تجد في هذا الجدول عدًّا أُجري في بقعة نزل الوحي بها مع خلوّه من المواضع المضطربة وقلة المعدودات الإفرادية عن غيره مع التثبت في روايته والخلو من الخلف إلا المدني الأخير كما ذكرت لك فيما تقدم.
11 - (بيان الحاجة إلى عدّ القرآن الكريم بالأرقام ومَن ألَّف في ذلك):
مَن يقف على أن آيات القرآن غير معدودة في المصاحف والتفاسير بالأرقام، وأن طلاب العلم بمعاني ذلك الكتاب المحكم من المسلمين غير قليلين. وإن كان عددهم بالنسبة إلى المجموع أقل من الواجب بكثير وأن أكثرهم ممن لا يحفظون القرآن - يعرف الأسباب التي دعت أرباب الفكر إلى تأليف (دليل الحيران في الكشف عن آيات القرآن) [1] و (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) [2] و (مفتاح كنوز القرآن) [3] و (مرآة القرآن) [4] و (تحليل القرآن) [5] ومن ينظر في هذه المؤلفات وفى طريقة الانتفاع بها يتضح له في كل منها تقصي عما يجب من جهة ويتبين فوق ذلك أسبابًا خارجية تمنع من تعميم الانتفاع بهاولبيان ذلك في كل منها أقول:
(1) دليل الحيران:
¥