تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن المفسرين من يسلك مسلك الاجتهاد والاستنباط فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر اجتهاده إذا كان عن علم.

وينبغي التنبيه هنا أن المسلم يحذر من أن يقول في كلام الله بغير علم، فلا يقل هذه، الآية تفسيرها كذا، وهو لا يعلم تفسيرها، فإن هذا إثم عظيم وقول على الله بلا علم، وقد حرمه الله في كتابه: ? قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ? [سورة الأعراف الآية 33]. ثم إن تعلم هذا القرآن وتعليمه فرض كفاية على الأمة؛ إبقاء لعلم الكتاب فيها، ومن انتصب لهذا الأمر فهو خير هذه الأمة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) أخرجه البخاري عن عثمان -رضي الله عنه-، وفي رواية: ((خيركم أو أفضلكم. . .)) الحديث.

سابعها: يجب على من علم القرآن أن يعمل به؛ إذ هذا هو ثمرة العلم وهو المقصود من إنزال الكتب وإرسال الرسل وإلا فعلم بلا عمل لا ينفع صاحبه بل يضره. وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل).

وقد قص الله علينا خبر الذي علم شيئا من آيات الله ولم يعمل بها، ومثل له بأقبح مثال وأشنعه؛ تنفيرا من فعله وبيانا لقبحه، يقول سبحانه: ? وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ *وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ? [سورة الأعراف: 175 - 176]. وقال سبحانه عن اليهود: ? مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ? [سورة الجمعة الآية 5]. وأثنى على طائفة من أهل الكتاب؛ لأنها عملت بكتابها، يقول الله: ? الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ? [سورة البقرة الآية 121]، أي يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ومن لم يعمل بالقرآن من هذه الأمة فإن القرآن قد يكون حجة عليه". وقد أخبرنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- عن عبادة أقوام وكثرة صلاتهم وصيامهم وتلاوتهم ومع ذلك آلوا إلى أسوأ حال، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا ويتمارى في الفوق)) أخرجه البخاري.

وكان دأب السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم الحرص على العمل بما علموا من القرآن أكثر من الحرص على حفظه بغير عمل به، يقول أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن- كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما- أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا.

ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة الواحدة، يقول أنس رضي الله عنه: (كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل في أعيننا)، وجاء عند مالك في الموطأ أنه بلغه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها.

وهكذا فإنا نرى أولئك القوم الأفاضل همتهم منصرفة لتدبرمعاني الكتاب والعمل به دون مجرد حفظ ألفاظه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير