تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[نظم الدرر بمناسبة الأيات والسور]

ـ[أبو محمد الأنصاري]ــــــــ[02 - 01 - 08, 08:01 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المنعم على عباده .... المتفضل عليهم بما لا يستطيعون شكره فضلاً عن احصاءه .... الواصل رفده وعطاءه ........ لا ينقطع رفده برغم معاصي العبد وجفاءه .... له جميل الحمد على جميع آلاءه ..... ثم الصلاة والسلام الأتمين على خيرة رسله وأنبياءه .... محمدٍ وعلى آله وصحبه ..... ومن اهتدي بهديه وسار على دربه ...

فالحياة مع كتاب الله تعالى ومعايشة أياته متعة لا تنقضي، ورضي الله عن عثمان إذ يقول "لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله تعالى"، وكم هو ماتع أن ترى أيات الله في القرآن مترابطة كأنها درر متراصة نظمت في عقد واحد فيزداد إحساسك بروعة هذا الكتاب، وفي هذا الصدد أردت تحفيز أحبتي أهل الخير أعضاء هذا المنتدى المبارك – أسأل الله أن يحفظه علينا- أن نفعل هذا الباب من علوم القرآن وهو مناسبة الأيات الكريمة بعضها لبعض، وكذلك السور والرابط بين بعضها البعض، وقد استعرت تسميته من الشيخ برهان الدين البقاعي – رحمه الله - في كتابه الماتع "نظم الدرر في مناسبة الأيات والسور" ولنبدأ الآن بهذه الأيات المباركة

قال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {37} قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {38} وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {39} يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ {40} وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ {41} وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {42} وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ {43}

قال البقاعي: لما كان الكفار قسمين: قسم محض كفره، وقسم شابه بنفاق وخداع، وكان الماحض قسمين: قسم لا علم له من جهة كتاب سبق وهم مشركو العرب، وقسم له كتاب يعلم الحق منه، ذكر تعالى قسم الماحض بما يعم قسميه العالم والجاهل فقال: {إن الذين كفروا سواء عليهم} إلى آخره. ثم أتبعه قسم المنافق، لأنه أهم بسبب شدة الاختلاط بالمؤمنين وإظهارهم أنهم منهم ليكونوا من خداعهم على حذر، فقال: {ومن الناس من يقول آمنا} إلى آخره؛ ولما فرغ من ذلك ومما استتبعه من الأمر بالوحدانية وإقامة دلائلها وإفاضة فضائلها، ومن التعجيب ممن كفر مع قيام الدلائل، والتخويف من تلك الغوائل، والاستعطاف بذكر النعم، شرع في ذكر قسم من الماحض هو كالمنافق في أنه يعرف الحق ويخفيه فالمنافق ألف الكفر ثم أقلع عنه وأظهر التلبس بالإسلام واستمر على الكفر باطناً، وهذا القسم كان على الإيمان بهذا النبي قبل دعوته، فلما دعاهم محوا الإيمان الذي كانوا متلبسين به وأظهروا الكفر واستمرت حالتهم على إظهار الكفر وإخفاء المعرفة التي هي مبدأ الإيمان، فحالهم كما ترى أشبه شيء بحال المنافقين، ولهذا تراهم مقرونين بهم في كثير من القرآن، وأخرهم لطول قصتهم وما فيها من دلائل النبوة وأعلام الرسالة بما أبدى مما أخفوه من دقائق علومهم، فإن مجادلة العالم ترسل في ميادين العلم أفراس الأفكار فتُسرع في أقطار الأوطار حتى تصير كالأطيار وتأتي ببدائع الأسرار، ولقد نشر سبحانه في غضون مجادلتهم وغضون محاورتهم ومقاولتهم من الجمل الجامعة في شرائع الدين التي فيها بغية المهتدين ما أقام البرهان على أنه هدى للعالمين.

قلت والسؤال ما هي المناسبة لذكر قصة بني إسرائيل بعد قصة آدم عليه السلام؟

قلت: لعل المناسبة – والله أعلم – المشابهة في الحال بين آدم عليه السلام وبين بني إسرائيل فآدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كان في رغد من العيش أيما رغد وترف أيما ترف ونعيم أيما نعيم، يتقلب في الجنة حيث يشاء، فلما طلب زائداً بالأكل من الشجرة باء به الأمر إلى ظهور العورات والنصب والتعب بالإنزال إلى الأرضن وكذلك كانت حال بني إسرائيل كانوا في رغد من العيش ينزل عليهم المن والسلوى، ولكل قوم منهم عين ماء يشربون منها وقيل لهم {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ {60} وقيل لهم {ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً} كما قيل لآدم عليه السلام {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} فطلبوا زائداً فقالوا {يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ} فطلبوا نبات الأرض واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فكان ما كان من أمرهم، هذا مع فارق التشبيه بين مآل آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وبين مآل بني إسرائيل فالمشابهة في الحال وليس في المآل كما هو ظاهر .... والحمد لله رب العالمين.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير