تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[إعجاز سورة التكاثر.]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[07 - 01 - 08, 10:39 م]ـ

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}

سورة شديدة الوقع، تضافرت فيها العناصر اللغوية والخطابية لحبك هذه الشدة:

-أولا، الخطاب:

اختيار المواجهة بضمير المخاطب (أَلْهَاكُمُ/ زُرْتُمُ/ تَعْلَمُونَ ... ) لتحقيق الدلالات التي يوحي بها أسلوب الخطاب من قبيل الإدانة والاتهام والتقريع والتوبيخ ....

ف" ألهاهم التكاثر"،الواردة في النص المصطنع، لا تمنح شيئا من هذه المعاني إذ أن عطاءها سينحصر حينذاك في التقرير والإخبار.

-ثانيا، الزجر:

جاء الزجر بالأداة " كلا" ثلاث مرات .. وفق وتيرة متسارعة بحيث نلحظ التقلص التدريجي للكلمات الفاصلة بين زجر وآخر:

بعد خمس كلمات: أَلْهَاكُم-ُ التَّكَاثُر-ُحَتَّى- زُرْتُمُ- الْمَقَابِر ... َ جاء الزجر الأول.

ثم بعد ثلاث كلمات: سَوْفَ- تَعْلَمُونَ- ثُمَّ ... جاء الزجر الثاني.

ثم بعد كلمتين فقط: سَوْفَ- تَعْلَمُونَ ... جاء الزجر الثالث.

-ثالثا، التوكيد:

من عجائب هذه السورة أن جاء التوكيد فيها بكل أنو اعه المعروفة في لغة العرب:

توكيدا باللفظ، وبالمعنى وبالأسلوب ..

1 - التوكيد اللفظي:

كلا ستعلمون/ثم كلا ستعلمون ... لترون/لترونها.

2 - التوكيد المعنوي

أ-بالحرف:

-بالنون: لَتَرَوُنَّ. لَتُسْأَلُنَّ ..

-باللام:

لَتَرَوُنَّ. لَتُسْأَلُنَّ ..

ب-بالاسم:

عَيْنَ الْيَقِينِ.

3 - التوكيد بأسلوب القسم:

لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ... (جواب لقسم محذوف)

رابعا، التصعيد:

نقصد بالتصعيد الرفع التدريجي من شأن المعنى المكرر كما وكيفا .. والأداة المحققة لهذا المقصد هي"ثم" العاطفة.

لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ،ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ.

"ثم" صعدت من درجة الرؤية و الإدراك:

فالرؤية الأولى تتعلق بإظهارجهنم وعرضها،والثانية تتعلق بالتلبس بها وذوقها-والعياذ بالله-

ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ..

فهذا علم آخر أقوى من الأول بدلالة ثم ..

ولا يفوتنا أن نلحظ في هذه الآية القصيرة اجتماعا باهرا لكل المعاني التي ذكرناها:

الزجر والتوكيد والتصعيد .. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ..

الاختيار المعجمي المعحز:

قبل الاشتغال ببيان هذه الدقة المعجمية المتناهية يجدر بنا أن نسطر بعض الكلمات عن تصورنا للإعجاز البلاغي للقرآن العظيم ..

البلاغة ليست شيئا غير المطابقة الصادقة والجميلة بين اللغة والواقع، وهو ما يعبر عنه بمطابقة المقال للحال على قاعدة "لكل مقام مقال" ...

ويلزم من هذا أن يكون البليغ على علم واسع ودقيق بثلاثة أمور:

-أن يعلم الواقعة بكل تفاصيلها ظاهرها وخفيها.

-أن يعلم الخيارات اللغوية التي تسنح بها اللغة فضلا عن الفروقات الدلالية بين الكلمات والتراكيب.

-أن ينزل الاختيار اللغوي على الواقعة بحيث تحصل المطابقة التامة فلا يكون في الجملة فائض دلالي لا يطابقه وجه من وجوه الواقعة أو يبقى من الواقعة مقتضى لم تراعه اللغة ... فيحصل شيء شبيه بما يلي:

*من الجملة- ذات البلاغة المطلقة- يمكن أن ننشيء الواقعة بكل تفاصيلها فكأننا نشتقها منها اشتقاقا ...

* الواقعة- لو أدركناها على حقيقتها- تفرض علينا أن نختار من عدة جمل ممكنة جملة بعينها هي الأوفى والأكثر انطباقا على تلك الواقعة ...

لكن من يستطيع أن يحيط علما بكل هذه الأمور الثلاثة غير رب العالمين؟

هذا هو إعجاز القرآن ..

القرآن يعطيك التعبير الوحيد- الممكن في اللغة- المطابق للواقعة .. سواء أكانت هذه الواقعة قصة ماضية أم حدثا نفسيا أم ظاهرة طبيعية أم غير ذلك ..

ولعل ابن عطية –رحمه الله-أفضل من أشار إلى هذا المعنى في نص من روائع النصوص المتكلمة عن إعجاز القرآن ..

قال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير