أنه إذا اتصل شيء من هذه الحروف بضمير قراء تقدم ذكرهم لم يكن ذلك رمزا، وكان الضمير كالمصرح به من أسمائهم، ومن حكمه أن المصرح به لارمز معه كقوله في فرش سورة البقرة:
وصية ارفع صفو حرميه رضا ** ويبصط عنهم غير قنبل اعتلى
فالعين من " عنهم " ليست رمزا، وإنما أراد بـ " عنهم " أن من ذكرهم في الشطر الأول الذين قرؤوا ((وصية)) بالرفع قد روي عنهم القراءة بالصاد في ((يبصط)) غير قنبل منهم.
أما إذا اتصل بهذه الأحرف ضمير غير راجع إلى أحد من القراء السابق ذكرهم فإن الحرف حينئذ يكون رمزا كقوله في باب هاء الكناية:
له الرحب والزلزال خيرا يره بها ** وشرا يره حرفيه سكن ليسهلا
فاللام من قوله " له " رمز لهشام؛ لأن الضمير المتصل بها لم يعد على أحد القراء السابقين.
التنبيه السادس:
أنه قد جاء في مواضع ألفاظٌ تصلح لأن تكون رمزا وليست برمز في مراده. وذكر أبو شامة أنه بين تلك المواضع في باب المد والإمالة والزوائد وفي بعض فروش السور. وفي باب البسملة موضعٌ أراده الناظم رمزا ولم يوافقه أبو شامة على ذلك.
وهذا التنبيه الذي ذكره أبو شامة هنا هو أهمها وهو المشكل حقا خاصة لمن يقرأ من بعض نسخ الشاطبية الغير مميزة للرموز عن غيرها،
وأذكر هنا مثالا نبه عليه في باب المد:
ووسطه قوم كآمن هؤلا ... ء آلهة اتى للايمان مثلا
وقد أراد الناظم بهذا بعد أن ذكر قبل هذا البيت وجه القصر والإشباع لورش عند مد البدل أن يذكر الوجه الثالث لورش وهو التوسط ولكنه أوهم بقوله "قوم" أن القاف رمز لخلاد فيكون عليه قد شارك ورشا في هذا الوجه،وهذا غير صحيح ولم يرده.
ومما زاد الوهم أنه قد استعمل " قوم " لخلاد بقوله وفي باب هاء الكناية:
وعنهم وعن حفص فألقهْ ويتقهْ
حمى صفوه قوم بخلف وأنهلا
لذلك عدَّل الجعبريُّ هذا البيت في كنز المعاني ((1)) فقال:
** ووسطه بعض كآمن هؤلا **
لكن ضبط تضبيطه هذا ملا علي قاري في الضابطية ((2)) بقوله:
** ووسطه جمع كآمن هؤلا **
لأن " بعض " موهمة أيضا بالرمز لقالون،وأما " جمع " فلا إشكال حتى لو كانت رمزا لأنها حينئذ ستكون لنفس ورش.
وأحسن من هذا تعديل أبي شامة بقوله:
** وبالمدة الوسطى كآمن هؤلا **
وليس المقصود هنا تعديل هذا البيت وإنما المقصود التمثيل به على المشتبهات.
التنبيه السابع:
أنه إذا اجتمعت أكثر من قراءة لقارئ واحد فللناظم من حيث إلحاق اسم قارئها بها حالات هي:
1 _ أنه يسمي لكل قراءة من هذه القراءات، كقوله في فرش سورة الانفال:
وموهن بالتخفيف ذاع وفيه لم ... ينون لحفص كيد بالخفض عولا
فسمى للقراءة الأولى " حفص " ولما ذكر القراءة الثانية له سماه برمزه مرة أخرى فلم يكتف بإحدى التسميتين عن الأخرى.
2 _ أنه يسمي بعد القراءة الأولى ويعطف الثانية عليها كقوله في فرش سورة الانفال:
ويغشى سما خفا وفي ضمه افتحوا ... وفي الكسر حقا والنعاس ارفعوا ولا
فبعد أن ذكر قراءة ((يغشى)) بفتح الياء والشين لابن كثير وأبي عمرو الذين رمز لهما بـ " حقا " ذكر لهما قراءة رفع ((النعاس)) ولم يعد الرمز فتكون هذه القراءة عطفا على القراءة الأولى المرموز لها بـ " حق " ولم نقل أنها قراءة لما ستأتي تسميته في البيت الثاني؛ لأنه فصل بالواو الفاصلة بقوله: " ولا ".
3 _ أنه يسمي للقراءتين بعد ذكر القراءة الثانية أو الثالثة.
ومثال تسميته بعد ذكر القراءة الثانية قوله في فرش سورة الانفال:
وفي الروم صف عن خلف فصل وأنث ان ... يكون مع الأسرى الأسارى حلا حلا
فقد ذكر لأبي عمرو قراءتين قبل أن يرمز له بـ " حلا حلا " القراءة الأولى تأنيث ((أن يكون))، والثانية مدّ ((الأسرى)).
ومثال تسميته بعد ذكر القراءة الثالثة قوله في فرش سورة آل عمران:
سنكتب ياء ضم مع فتح ضمه ** وقتل ارفعوا مع يا نقول فيكملا
فقد ذكر لحمزة ثلاث قراءات قبل أن يرمز له بقوله:" فيكملا ".
فالقراءة الأولى بناء ((سنكتب)) للمجهول، والثانية رفع ((قتلهم)) والثالثة إبدال النون ياءًا في ((نقول)).
وبهذا تمت هذه التنبيهات النفيسة ولله الحمد والمنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
((1)) ج 2 ص352 من تحقيق أحمد اليزيدي.
((2)) ص 65 بتحقيق بريك القرني.
ـ[الخزرجي]ــــــــ[02 - 03 - 08, 09:47 م]ـ
فائدة تتعلق بالموضوع:
جُمعت رموز الانفراد في هذا البيت على ترتيبها:
أَبَجْ دَهْزَ حِطِّي كِلْمَ نَصْعٍ فَضَقْ رَسَتْ ** فهذي رموز القوم ياصاحَ فانقلا
ـ[أبو محمد أحمد بن عثمان]ــــــــ[03 - 03 - 08, 11:42 ص]ـ
بوركت أخي الكريم الخزرجي على هذا النقل الرائع، والمطالع لإبراز المعاني يجد فيه الفوائد التي تعد من النوادر في شرح الشاطبية.
بارك الله فيك أخي الكريم
ـ[محمد بن صابر عمران]ــــــــ[17 - 05 - 09, 02:56 م]ـ
جزاك الله خيرًا على هذا النقل
¥