تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(سَمِعَ) يتعدّى إلى مفعول واحد

ذَهَبَ الفَارِسِيُّ في الإيضَاحِ إلى أنَّ (سَمِعَ) مِنْ الأفْعَالِ التي تَتَعدَّى إلى مَفْعُولَيْن، قالَ ([117]): " إلاّ أَنَّ (سَمِعْتَ) يَتَعَدَّى إلى مَفْعُولَيْن، ولا بُدَّ مِنْ أنْ يَكُونَ الثاني مِمّا يُسْمَعُ كَقَوْلِكَ: سَمِعْتُ زَيداً يَقُولُ ذاك "، ونَسَبَ ابنُ مَالِك هذا الرَّأيَ للأخْفَشِ والفَارِسِيِّ، وأَخَذَ بِه ([118])، كَمَا أَخَذَ بِه العُكْبُري ([119]) وابنُ القَوَّاسِ ([120]) وابنُ الضَّائِعِ ([121])،واحْتَجُّوا بأنَّ هذا الفِعْلَ يَتَوَقَّفُ فَهْمُه عَلى سَمَاعِ سَامِعٍ، فقد دَخَلَ الفِعْلُ عَلى مَا لا يُسْمَعُ،فاحْتَاجَ عِنْدَها إلى مَعْنى المَسْمُوعِ ([122]).

أَمَّا ابنُ الباذِش الغَرْناطي فهو يَرَى أَنَّ هذا الفِعْلَ مِنْ الأفْعَالِ التي تَتَعَدَّى إلى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ ([123])،واحْتَجَّ لِهذا الرَّأيِ بالقِياسِ عَلى سَائِرِ أَخَواتِها مِنْ أَفْعَالِ الحَوَاسِ، فهي جَمِيعاً تَتَعَدَّى إلى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ ([124])، واحْتَجَّ أَيْضاً بأَنَّه لَوْ كَانَ مِمّا يَنْصِبُ الاثنَيْن لَسُمِعَ الثاني غَيْرَ جُمْلَةٍ نَكِرِةً ومَعْرِفَةً، فكَوْنُهُم لمْ يُسْمَعْ عَنْهم ذلك دَلَّ عَلى أَنَّ الفِعْلَ المَسْمُوعَ في مَوْضِعِ الحَالِ، فالجُمْلَةُ في نَحْوِ قَوْلِكَ: (سَمِعْتُ زَيْداً يَتَكَلَّمُ) لَيْسَتْ مَفْعُولاً بِه، وإِنَّما في مَوْضِعِ الحَالِ ([125])، والمَسْمُوعُ في الحَقِيقَةِ هو الصَّوْتُ،وهو عَلى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُه:سَمِعْتُ صَوْتَ زَيْدٍ في حَالِ كَلامِه، فصَوْتُ زَيْدٍ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَلاماً أو غَيْره، واحْتَجُّوا لِهذا بِقَولِه تَعَالى:) هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ({الشعراء72} فالمَعْنى: هَلْ يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُم،عَلى حَذْفِ الدُّعَاءِ بدَليل (إذْ تَدْعُونَ) عَليه ([126])، وقَالوا في قَولِ الشاعِرِ:

سَمِعْتُ النَّاسُ يَنْتَجِعُونَ غَيْثاً فَقُلْتُ لِصَيْدَحَ انْتَجِعِي بِلالا ([127])

المَعْنى: سَمِعْتُ هذا الكَلامَ الذي هو: (النَّاسُ يَنْتَجِعُونَ غَيْثاً)، وهذا عَلى الحِكَايَةِ ([128])،وهناكَ أدِلَّةٌ كَثيرةٌ تَدُلُّ عَلى هذا الرَّأيِ ([129]).

وقد أَشَارَ إلى هذا الرَّأيِ الجُرْجَانيُّ ([130])،ونُسِبَ إلى الرُّمَّانيِّ ([131]) وابنِ السّيدِ ([132])،وأَخَذَ به ابنُ عُصْفور ([133])، وأَرَى أَنَّ أَدِلَّةَ ابنِ الباذِش تُقوّي رَأيَ مَنْ أَخَذَ بهذا المذهبِ،فهي أَدِلَّةٌ يَقْبَلُها المَعْنى،ويُسَانِدُها العَقْلُ،فالسَّمعُ حَاسَّةٌ، وهذا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ المَسْمُوعُ صَوْتاً لا جِسْماً فقولكَ: سَمِعْتُ زَيْداً،تُريدُ بِه: صوتَ زَيدٍ.

حذف مفاعيل (أعلم) اقتصاراً

تَحَدَّثَ النُّحَاةُ عَنْ نَوْعَيْن مِنْ الحَذْفِ هُما الاقْتِصارُ والاخْتِصارُ، والفَرْقُ بَيْنَهُما عِنْدَهُم أَنَّ حَذْفَ الاخْتِصَارِ يَكُونُ بِدَليلٍ،والاقْتِصارُ حَذْفٌ مِنْ غَيْرِ دَليلٍ، وفي حَذْفِ مَفَاعِيلِ (أَعْلَمَ) اقْتِصَاراً خِلافٌ بَيْنَ النُّحَاةِ ([134])،وفيه رَأيان:

الأوَّلُ: مَنْعُ الحَذْفِ، وهو الرَّأيُ الذي أَخَذَ بِهِ أبو الحَسَن بنِ الباذِش ([135])، وقد تابَعَ فيه سِيْبَوَيْه، قالَ في الكِتابِ ([136]): " ولا يَجُوزُ أَنْ تَقْتَصِرَ عَلى مَفْعُولٍ مِنْهُم واحِدٍ دونَ الثلاثةِ "، وأَخَذَ كَثيرٌ مِنْ النُّحَاةِ بِهذا الرَّأيِ، مِنْهُم المُبَرَّدُ ([137])،وابنُ بابْشاذَ ([138])،وابنُ عُصْفور ([139])، وابنُ طاهِرٍ ([140])، والسُّهيلي ([141])،قالَ في نَتَائِجِ الفِكْرِ ([142]): " لأنّك لا تُريدُ بِقَوْلِكَ: (أَعْلَمْتُ زَيْداً) أيْ: جَعَلْتَهُ عَالِماً عَلى الإطلاقِ، هذا مُحَالٌ، إِنَّما تُريدُ: أَعْلَمْتُهُ بِهذا الحَدِيثِ، فلا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الحَدِيثِ الذي أَعْلَمْتَهُ به ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير