تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني: جَوَازُ الحَذْفِ، وفيهِ آراءٌ كَثِيرَةٌ، فَأَكْثَرُ النُّحَاةِ أَجَازَ حَذَفَ المَفْعُولِ الأوَّلِ بِشَرْطِ ذِكْرِ المَفْعُولَيْن الآخِرَين، أو حَذْفَ المَفْعُولَيْن الآخِرَين بِشَرْطِ ذِكْرِ الأوَّلِ ([143])، فيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: (أَعْلَمْتُ زَيْداً)،ولا تَذْكُرُ مَا أَعْلَمْتَه بِه، وتَقُولُ: (أَعْلَمْتُ عَمْراً قائِماً)،ولا تَذْكُرُ المَفْعُولَ الأوَّلَ. ومِنْهُم مَنْ ذَهَبَ إلى جَوازِ حَذْفِ المَفْعُولَيْن الآخِرَين فَقَط فتقولُ: (أَعْلَمْتُ زَيْداً)،ولا تَذْكُرُ مَا أَعْلَمْتَه بِه ([144]). وارْتَضَى الشلوبين عَكْسَ هذا المَذْهَبِ، فقد أَجَازَ حَذْفَ المَفْعُولِ الأوَّلِ فَقَط، ومَنَعَ حَذْفِ المَفْعُولَيْن الآخِرَين،فيَجُوزُ أَنْ تَقولَ: (أَعْلَمْتُ عَمْراً قائِماً)،ولا تَذْكُرُ مَنْ أَعْلَمْتَه بهذا الخَبَرِ ([145]). وذَهَبَ ابنُ مالِك في التَّسْهيلِ إلى جَوازِ حَذْفِ المَفَاعِيلِ الثلاثةِ اقْتِصاراً واخْتِصاراً ([146]).

هذه آراءُ النُّحَاةِ في هذه المَسْأَلَةِ، والمُلاحَظُ فيها وُجُودُ التَّناقُضِ في الآراءِ الكَثيرَةِ التي أَجازت الحذَْفَ، فهناك سبعة آراء، وكلُّ رَأيٍ مِنْها يتَعارض مع الآخر،والذي أَراهُ أَنَّ العَرَبِيَّ لا يَرْتَضِي أَنْ يَكونَ كَلامُه مُبْهَماً، فإِذا حَذَفَ كانَ هُناكَ مَا يَدُلُّ عَلى الحَذْفِ لَفْظاً أو مَعْنىً،حَيْثُ يُدْرِكُ أَنَّ السَّامِعَ قد أَدْرَكَ مَا يَرْمِي إليه المُتَكَلَّمُ، أَمَّا أَنْ يَحْذِفَ دونَ تَرْكِ دَليلٍ عَلى المَحْذُوفِ فهذا ليسَ مِنْ سَمْت لُغَةِ العَرَبِيِّ، فالذي يَظْهَرُ لي هو مَنْعُ الحَذْفِ، وهذا مَا اخْتَارَه ابنُ الباذِش

إفراد كافِ الخِطابِ

تَلْحَقُ بِأَسْمَاءِ الإشَارَةِ في العَرَبِيِّةِ كافُ الخِطَابِ، وهو حَرْفٌ يُبَيِّنُ أَحْوالَ المُخَاطَبِ مِنْ إِفْرَادٍ وتَثْنِيَةٍ وجَمْعِ وتَذْكِيرٍ وتَأْنِيثٍ، فتَقولُ: (ذلكَ) (ذلكُمَا) (ذلكُمْ) (ذلكُنَّ) …الخ،وقد جَاءَ في العَرَبِيَّةِ خِطَابُ الجَمْعِ بِكَافِ الخِطَابِ للمُفْرَدِ،ومِنْ ذلكَ قولُه تَعَالى:) ذلِكَ يُوعَظُ بِه ({البقرة 232} وفي آيةٍ أُخْرَى:) ذلِكُمْ يُوْعَظُ بِهِ ({الطلاق 2} والخِطَابُ في الآيَتَيْن للجَمَاعَةِ.

وذَكَرَ أبو الحَسَنِ بنُ الباذِش تَأْويلَيْن لإفْرادِ كافِ الخِطابِ عِندَ خِطابِ الجَمَاعَةِ ([147])، أَحَدَهُما أَنْ يَكُونَ الخِطابُ خَاصّاً بِوَاحِدٍ مِنْ الجَمَاعَةِ لجَلالَتِه، والمُرادُ الجَمِيعُ، والثاني تَقْديرُ اسْمٍ مِنْ الأسْمَاءِ (أَسْمَاءِ الجُمُوعِ) التي تَقَعُ عَلى الجَمَاعَةِ،والخِطَابُ فيه للكُلِّ، ويُقَدِّرُه ابنُ الباذِش بقَوْلِه: ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ يا فَريقُ ويا جَمْعُ.

وقد أَشَارَ العُلمَاءُ إلى أَنَّ المُخَاطَبَ في الآيَةِ الأولى إِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولَ- صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أو كُلَّ سَامِعٍ، فَأُفْرِدَت الكَافُ، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ الخِطَابُ للجَمَاعَةِ، وهذا هو الظَّاهِرُ عِنْدَهُم؛ لأنَّ الخِطَابَ في الآيَةِ كُلِّها للجَمَاعَةِ ([148])، ولذلِكَ احْتَاجَ الأمْرُ عِنْدَهُم إلى تَأويلٍ.

ومَا أَرَاهُ أنَّ اسْمَ الإشَارَةِ تَتَّصِلُ بِهِ كَافُ الخِطَابِ لِتُبَيِّنَ حَالَ المُشارِ إِلَيْهِ لا لِتُبَيِّنَ حالَ المُخَاطَبِ فَقَط، فأَنْتَ تَقُوْلُ: (ذلكَ رَجُلٌ) والمُخَاطَبُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّساءِ،وتَقُولُ: (ذلكَ أَمُرٌ عَظيمٌ) والمُخَاطَبُ جَمَاعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ، فَلَوْ كَانَتْ الكَافُ تُبَيِّنُ أَحْوالَ المُخَاطَبِ فقط لَقُلتَ في الأولى: (ذلكُنَّ رَجُلٌ)، وفي الثانِيَةِ: (ذلكُمْ أَمْرٌ عَظيمٌ)،وكُلُّ هذا جَائِزٌ،ولكنَّكَ تَقولُهُ لدَلالَةٍ مُعَيَّنَةٍ في لُغَةِ العَرَبِ، ولا أَرَى أَمْرَ هاتَيْن الآيَتَيْن يَخْتَلِفُ عَنْ قَوْلِه تَعَالى:) ذلِكَ ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِر اللهِ ({الحج 32}، وقوله تعالى:) هذا فَلْيَذُوْقُوْهُ حَمِيْمٌ وغَسَّاق ({ص 57}، فلا يُوجَدُ مُشَارٌ إليه ظَاهِرٌ في هاتَيْن الآيَتَيْن؛ ولِذلكَ ذَهَبَ النُّحَاةُ هُنا إلى التَّأْوِيلِ بِأَنْ قالوا: خَبَرٌ لمُبْتَدأ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير