تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مَحْذُوفٍ،أو مُبْتَدأ وخَبَرُه مَحْذوفٌ، وقَدَّرُوا المَحْذُوفَ بـ (الأمر)،فالأغْلَبُ عِنْدي أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ في الآيَتَيْن -مَوْضِعِ الخِلافِ-:ذلكَ الأمْرُ يُوعَظُ بِه، وذلكُمْ الأمْرُ يُوعَظُ بِه،فكَافُ الخِطَابِ لا تَتَعَلقُ بحالِ المُخَاطَبِ، وإِنَّما ببَيانِ حَالِ المُشَارِ إليه، أَمَّا السَّبَبُ في الإفْرَادِ في الأولى والجَمْعِ في الثانِيَةِ فهو يَعُودُ إلى قِيمَةٍ بَلاغِيَّةٍ، فإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِتَعْظِيمِ المُشارِ إِليهِ في مَوْضِع دونَ الآخَرِ، وهو مَا أَشَارَ إليه ابنُ الباذِشِ في تأويلِهِ الأوّل،وأَرَاه صَواباً، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُودُ اسْمِ الإشَارَةِ في هذِه الآياتِ للرَّبْطِ،والمَقصُودُ بِهِ رَبْطُ الَّلاحِقِ بالسَّابِقِ في ذِهْنِ السَّامِعِ،ولا أَرَى حَاجَةً إلى التَّأويلِ في هذا المَوْضِعِ؛ لأنَّ المَعْنى مُسْتَغْنٍ عَنْ أيِّ لَفْظٍ جَدِيدٍ.

بدل الاشتمال

تابَعَ أبو الحَسَنِ بنُ الباذِش المُبَرِّدَ في مَعْنى بَدَلِ الاشْتِمَالِ ([149])، فالمُبرِّدُ يَرى أَنَّ المَقْصُودَ في بَدَلِ الاشتِمَالِ هو الثانِي،والاشتِمَالُ عِنْدَه إسْنَادُ الخَبَرِ إلى الأوَّل عَلى إِرَادَةِ غَيْرِه مِمَّا يَتَعَلّقُ بِه، قالَ في المُقْتَضَبِ ([150]): " والضَّرْبُ الثالثُ أَنْ يَكُونَ المَعْنى مُحِيطاً بِغَيْرِ الأوَّلِ الذي سَبَقَ له الذِّكْرُ لالتِبَاسِه بِمَا بَعْدَه، فَتُبْدِلُ مِنْه الثانِي المَقْصُودُ في الحَقِيقَةِ ".

وفي هذا الرَّأْيِ لا يَشْتَمِلُ البَدَلُ عَلى المُبْدَلِ مِنْه أو العكس، وإِنَّما الاشتِمَالُ للخَبَرِ المُسْنَدِ إلى الأوَّلِ، فإذا قُلْتَ: (سُلِبَ زَيْدٌ ثوبُهُ) أو (أَعْجَبَني زَيْدٌ عِلْمُه) فالمَسْلُوبُ هو الثوبُ لا زَيْدٌ، والمُعْجِبُ هو العِلْمُ لا زَيْدٌ، وبِناءً عَلى هذا يَكُونُ إِسْنَادُ المَعْنى إلى الأوِّلِ مَجَازاً وإلى الثانِي حَقيقَةً ([151]).

وأَخَذَ بِهذا الرَّأيِ السِّيْرَافِيُّ والرُّمَّانِيُّ وابنُ مَلْكون وغَيْرُهُم مِنْ النُّحَاةِ ([152])، ورَدَّه ابنُ مَالِك ([153])،وابنُ أبي الرَّبيعِ، قالَ في البَسيطِ ([154]): " ويَنْكَسِرُ هذا عَلَيْهِم ببَدَلِ البَعْضِ مِنْ الكُلِّ؛ لأنَّ بَدَلَ البَعْضِ مِنْ الكُلِّ عُلَّقَ فيه الفِعْلُ وهو في المَعْنى طالِب بالثانِي ".

وفي هذه المَسْأَلَةِ آراءٌ أُخْرى، مِنْها أَنَّ المُبْدَلَ مِنْه مُشْتَمِلٌ عَلى البَدَلِ، والمَقْصُودُ بهذا الرَّأيِ أَنَّه يَجُوزُ لك الاكْتِفاءُ بالأوَّلِ لكَوْنِه مُتَضَمِّناً للثانِي، فيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: (سُرِقَ عَبْدُاللهِ) وأنتَ تُريدُ: (سُرِقَ عَبْدُاللهِ ثَوْبُه) ([155]).

ومِنْ هذه الآراءِ أَنَّ البَدَلَ مُشْتَمِلٌ عَلى المُبْدَلِ مِنْه،فالثوبُ في قَوْلِكَ: (سُرِقَ عَبْدُاللهِ ثوبُهُ) مُشْتَمِلٌ عَلى عَبْدِاللهِ ([156]).

وذَهَبَ الجُرجانِيُّ إلى أَنَّه لا خُصُوصِيّةَ لاشْتِمالِ أَحَدِهِما عَلى الآخَرِ ([157]).

وذَهَبَ الزَّجَّاجُ إلى تَسْمِيَةِ هذا النَّوْعِ مِنْ البَدَلِ بِبَدَلِ المَصْدَرِ ([158]).

وأَرى أَنَّ هذا الخِلافَ ليسَ بِذي فَائِدَةٍ كَبيرَةٍ، فالنُّحَاةُ لمْ يَخْتَلفوا في إعْرابِ البَدَلِ، وإنّما الخِلافُ في تَحْديدِ المَقْصُود ببَدَلِ الاشْتِمَالِ،فهو خِلافٌ في حَدِّ المصْطَلَحِ،وأرَى أنَّ هذا التَّحْديدِ يَدْخُلُ في الجَانِبِ الفَلْسَفِيِّ للنَّحْو، وأَرَى أنّهُ يُمْكِنُ القَوْلُ: كُلُّ مُبْدَلٍ يَشْتَمِلُ عَلى البَدَلِ ولكنْ ليسَ كُلُّ بَدَلٍ يَشْتَمِلُ عَلى المُبْدَلِ مِنه، ومِثالُ ذلكَ أنَّكَ إذا قلتَ: (أَعْجَبَتْني الزَّهْرَةُ رَائِحَتُها) تَسْتَطِيعُ القَوْلَ إِنَّ الزَّهْرَةَ تَشْتَمِلُ عَلى الرَّائِحَةِ،ولكنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقولَ إنَّ الرَّائِحَةَ تَشْتَمِلُ عَلى الزَّهْرَةِ،فبينَهُما مَا يُشْبِه العُمُومَ والخُصُوصَ، فالعامُّ يَشْمَلُ الخاصَّ ولكِنَّ الخَاصَّ لا يَشْمَلُ جَميعَ العامِّ،كَمَا أَنَّك إذا قلت: (سُرِقَ زَيْدٌ ثوبُه) جَازَ لكَ أنْ تَقولَ إنَّ البَدَلَ يَشْتَمِلُ على المُبْدَلِ مِنْه، وجازَ العَكْسُ، وهذا الذي أَرَاهُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير