تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اسْتَعْمَلَتْ العَرَبُ (رُبَّ) للدّلالَةِ عَلى العَدَدِ،والمَقْصُودُ بالعَدَدِ هو القِيْمَةُ التي تَدُلُّ عليه مِنْ حيث القلَّةِ والكَثرَةِ، وهذا الاسْتِعْمالُ ثابِتٌ في أشْعَارِهم وأقوالِهم، واخْتَلَفَ النُّحَاةُ في القِيمَةِ التي تَدُلُّ عَلَيهِ (رُبَّ)،واخْتِلافُهُم مَحْصُورٌ في دَلالَتِها على القَلِيلِ أو الكَثيرِ ([176]).

وذَهَبَ ابنُ الباذِش إلى أنَّه لا يُمْكِنُ تَحْديدُ القِيمَةِ التي تَدُلُّ عَليه سَواء كانت قلَيلَةً أو كثيرةً، فهي مَجْهولَةٌ مُبْهَمَةٌ مِنْ هذه الناحِيَةِ ([177])،وتَابَعَه في هذا الرَّأيِ ابنُ طَاهِر ([178]).

وبَعْدَ اسْتِعْراضِ مَجْمُوعَةٍ مِنْ شَواهِدِ النُّحَاةِ الشِّعْرِيَّةِ على الكَثرَةِ أو القِلَّةِ رَأَيْتُ أَنَّها لا تَدُلُّ عَلى أَنَّ هناك قيمَةً مَحْدودَةً يُمْكن قِياسُها مِنْ خِلالِ السِّياقِ، فحَقِيقَةُ هذه القِيمَةِ مَجْهُولَةٌ لا يُمْكِنُ إِدْرَاكُها إلاّ بقَرينَةٍ لفظية أو مَعْنَويّة، ومِمّا يُذْكَرُ في هذا المَوْضع أَنَّ كثيراً مِنْ الشَّواهِدِ التي اسْتَدَلُّوا بِها عَلى الكَثْرَةِ قد رُدَّتْ واسْتَدَلّوا بها عَلى القِلةِ ([179])، وهذا مِمّا يُقَوِّي رَأيَ أبي الحَسَن بن الباذِش.

اسم وخبر كان إذا كانا معرفتين

اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في تَفْسِيرِ عِبَاراتِ سِيْبَوَيْه، ومِنْ تلك العِبارَاتِ التي اخْتَلَفُوا فيها عِبَارَتان تَتَعَلّقان باسْمِ وخَبَرِ (كانَ) إذا كَانا مَعْرِفَتَيْن،وكانَ لأبي الحَسَنِ بن الباذِش رَأيٌ في تَفْسِيرِ هَاتَيْن العِبَارَتَيْن.

العِبَارةُ الأولى: قَوْلُ سِيْبَوَيْه ([180]): " وإِذا كانا مَعْرِفَةً فأنتَ بالخيارِ: أيَّهُما مَا جَعَلتَه فاعِلاً رَفَعْتَه ونَصَبْتَ الآخَرَ كَما فَعَلْتَ ذلك في ضَرَبَ، وذلك قَوْلُكَ:كَانَ أَخُوكَ زَيْداً، وكَانَ زَيْدٌ صَاحِبَكَ، وكَانَ هذا زَيْداً، وكَانَ المُتَكَلّمُ أَخَاكَ ".

نُقِلَ عن أبي الحَسَن بن الباذِش أنّه اخْتَارَ رَأيَ السِّيْرَافِيِّ في تَعْيينِ اسْمِ وخَبَرِ (كان)،وأَخَذَ بِرَأيِهِمَا ابنُ الضَّائِعِ وابنُ خَروف، قالوا: تَنْظُرُ إلى المُخَاطَبِ، فإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَحَدَ المَعْرِفَتَيْن ويَجْهَلُ الآخَرَ جُعِلَ المَعْلومُ الاسْمَ والمَجْهُولُ الخَبَرَ، نَحْو: (كَانَ أَخُو بَكْرٍ عَمْراً) إِذا قَدَّرْتَ أَنَّ المُخَاطَبَ يَعْلَمُ أَنَّ لِبَكْرٍ أَخاً ويَجْهَلُ كَوْنَهُ عَمْراً، و (كَانَ عَمْروٌ أَخا بَكْرٍ) إذا كَانَ يَعْلَمُ عَمْراً ويَجْهَلُ كَوْنَه أَخَا بَكْرٍ ([181]).

وقد فُسِّر قَوْلُ سِيْبَوَيْه أَكْثرَ مِنْ تَفْسِيرٍ، ونَتَجَ عَنْ ذلكَ أَكْثَرَ مِنْ رَأي، فمِنْهُم مَنْ ذَهَبَ إلى تَخَيُّرِ أَيِّهِما شِئْتَ اسْماً والآخَرَ خَبَراً،وقَالوا:هذا ظَاهِرُ كَلامِ سِيْبَوَيْه ([182])،ومِنْهُم مَنْ رَأى أنَّه إذا لَمْ يَسْتَوِيا في رُتْبَةِ التَّعْريفِ فالاخْتِيارُ جَعْلُ الأعْرَفِ اسْماً والآخَرِ خَبَراً ([183])، وذَهَبَ بَعْضُهُم إلى أَنَّ الخَبَرَ مَا تُريدُ إثباتَه مُطْلَقاً نَحْو: (كَانَتْ عُزْلَتَكَ عُقُوبَتُكَ) فالعُزْلَةُ هي الثابِتَةُ، فهي الخَبَرُ ([184])، ومِنْهُم مَنْ قالَ: مَا صَحَّ مِنْهُما جَواباً فهو الخَبَرُ والآخَرُ الاسْمُ ([185]).

العِبَارَةُ الثانِيَةُ: قالَ سِيْبَوَيْه ([186]): " وتَقولُ: مَنْ كَانَ أَخَاكَ، ومَنْ كَانَ أَخُوكَ، كَما تَقولُ: مَنْ ضَرَبَ أَبَاكَ،إِذا جَعَلْتَ (مَنْ) الفاعِلَ ".

لمْ تَخْتَلِفْ نَظْرَةُ ابنِ الباذِش وغيرِه مِنْ النُّحَاةِ إلى هذه العِبَارَةِ عَنْ نَظْرَتِهِ إلى العِبَارَةِ السَّابِقَةِ، فَيَنْطَلِقُ في تَفْسِيرِه مِنْ التَّرْكِيبِ مُرْتَبِطاً بِواقِعِ الحَالِ، فهو يَرْبِطُ بَيْنَ االمُسْنَدِ والمُسْنَدِ إليه كَتَرْكِيبٍ وبَيْنَ المُخَاطَبِ مِنْ حَيْثُ عِلْمِه أو جَهْلِه، قالَ أبو حيَّانَ في تَفْسيرِ هذه العِبارَةِ نَقلاً عَنْ السِّيْرَافِيِّ وابنِ الباذِش والشلوبين وابنِ الضَّائِعِ ([187]): " مُرَادُ سِيْبَوَيْه أنّكَ لا تُخْبِرُ المُخَاطَبَ فتَجْعَلَ له الخَبَرَ عَنْ (كَانَ) المَجْهُولَ عندَه، إنّما مُرادُه أَنَّهُما إذا كَانَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير