تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" ليست هذه القصص بالأساطير، بل كثير منها ثابت بأسانيد صحيحة، وعلم أهل الكتاب بالبشارة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- في كتبهم ثابت عند المسلمين بنص القرآن الصريح، وليسوا في حاجة إلى افتعال أساطير يؤيدون بها ما أثبته الوحي المنزل من عند الله، وهو ثابت أيضاً عند المسلمين فيما قرءوه من كتب أهل الكتاب مما بقي في أيديهم من الصحيح من أقوال أنبيائهم المنقولة في كتبهم ".

الخامس: لنفترض أن ما عزاه الأستاذ إلى تاريخ الكنيسة صحيح ثابت، وهو أن بحيرا الراهب كان في القرن الرابع من الميلاد، فذلك لا ينفي أن يأتي شخص آخر على شاكلته في الترهب سمي باسمه منذ ولادته على عادة النصارى وغيرهم من التسمي بأسماء الصالحين عندهم، أو لقب به بعد، لظهور شبه فيه به، هذا كله جائز ليس في العقل السليم ما ينفيه، وإذا الأمر كذلك، فبإمكان الأستاذ أن يعتقد وجود شخصين في زمنين متباينين باسم واحد (بحيرا) وبذلك يستطيع أن يوفق بين ثقته بالتاريخ الكنسي، وثقته بالتاريخ الإسلامي ولا يقع في هذه المغالطة التي كتبها بقلمه: " فكيف التقى الزمان القرن الرابع والقرن السادس والتقى المكانان. . ."!!

تلك وجوه خمسة في الجواب عن الشبهة الثانية أقواها عندنا الوجه الأول، وسائرها إنما هي بالنظر لترجيح التاريخ الإسلامي على التاريخ الكنسي، ولا حاجة بنا إليها بعد الوجه الأول، وإنما ذكرتها لبيان ما يرد على الأستاذ مما قد يكون غافلاً عنه.

* الشبهة الثالثة: قول الأستاذ ما خلاصته: " إن الغرض من ذكر خرافة بحيرا الراهب، إنما هو كرد على المبشرين والمستشرقين الذين يدعون بأن هذا الدين الإسلامي من بحيرا الراهب، وكان يتردد على مكة يعلم محمداً تعاليمه ".

وأقول: لا شك أن الأستاذ المصري يشكر على قصده المذكور ولكن خفي عليه أن الرد على المبشرين لا يكون برد الحقائق التاريخية، وانكار ثبوتها، بحجة أن الكفار يستغلونها للطعن في الإسلام أو في نبيه عليه الصلاة والسلام، بل المنهج العلمي الصحيح يوحي بالاعتراف بالحادثة الثابتة، ثم الجواب عن استغلال المبشرين لها جواباً علمياً صحيحاً، ومن المؤسف جداً أن هذه الطريقة التي جرى عليها حضرة الأستاذ في الرد على المبشرين والمستشرقين، قد أخذ بها كثير من الكتاب المسلمين في العصر الحاضر، لا سيما الذين لا علم عندهم بأدلة الكتاب والسنة، فهؤلاء كلما رأوا مبشراً يورد شبهة على نص إسلامي، أو يستغله للطعن في الدين، بادروا إلى التشكيك في صحته إن كان حديثاً أو سيرة، وإلى تأويل معناه إن كان لا سبيل إلى إنكاره من أصله كالقرآن، وهذا الأسلوب مع ما فيه من عدم الاعتداد بنصوص الشريعة المعصومة ومعانيها، فإنه في الوقت نفسه يدل على أن هؤلاء الكتاب قد وثقوا بعلم أولئك الكفار وفهمهم واخلاصهم ثقة عمياء! مع أن الذي يدقق فيما كتبوه ويكتبونه من البحوث حول الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي يتجل له بوضوح لا وضوح بعده -إلا قليلاً منهم- لا إنصاف عندهم ولا علم، وأنهم كل غرضهم من ذلك تشويه حقاثق الإسلام الناصعة وإبعاد المسلمين عنه، وليس يتسع هذا المقال لضرب الأمثلة على ما نقول، ولكن حسبنا منها هذه الحادثة التي أثبتنا صحتها، فقد علمت مما سبق كيف أن جماعة من أولئك المستشرقين اعتبروها من الخرافات والأساطير، وكيف أن الأستاذ المصري انزلق معهم في ذلك مع ما فيها من الآيات البينات على التبشير بنبوته -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك أنكرها أولئك الكفار، وأما أخونا المصري فإنما أنكرها متأثراً بوحي خفي من بعض المستشرقين الآخرين الذين زعموا أن الحادثة تدل أن الدين الإسلامي مستقى من بحيرا الراهب، وأنه كان يتردد إلى مكة يعلم محمداً -صلى الله عليه وسلم- تعاليمه! كما نقله الأستاذ المصري عنهم، وهم بهذا الزعم يرمون إلى أحد شيئين إما إثباته في قلوب ضعفاء العلم والإيمان منا، وإما حمل من كان قوي الإيمان منا على رد الحادثة في سبيل رد هذا الزعم الباطل، وهذا مع الأسف قد حصلوا عليه من بعضهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير