تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[طلب اليهود من المسلمين فتح الأندلس: حقيقة أم ادعاء؟ ..]

ـ[محمد أبو عمر]ــــــــ[06 - 08 - 07, 11:51 م]ـ

مقدمة:

بالرغم من أن موضوع رسالتي لنيل درجة الدكتوراه كان بعنوان: "اليهود في الدولة العربية الإسلامية في الأندلس، (92 ـ 897 هـ = 711 ـ 1492م)، إلا أن سؤالاً مهماً حول هذا الموضوع لم يتيسر لي الإجابة عنه في أثناء إعداد الرسالة وهو: "هل طلب اليهود من المسلمين فتح الأندلس"؟ ...

وقد استطاع الباحث بعد مزيد من البحث والتفكير والتأمل الإجابة عن هذا السؤال، ورأى أن يخرج هذه الإجابة في بحث مستقل وذلك للأسباب الآتية:

1 ـ لم أجد فيما اطلعت عليه من مصادر ومراجع جواباً حاسماً مدعوماً بالأدلة العقلية والتاريخية لهذا السؤال بالرغم من كثرة ما قرأت حول الموضوع.

2 ـ أنّ الإسبان لا زالوا منذ نحو أربعة عشر قرناً يرددون هذا الاتهام بهدف تسويغ هزيمتهم أمام المسلمين الفاتحين للأندلس، وتسويغ اضطهادهم الشديد لليهود قبل الفتح الإسلامي.

3 ـ أنّ بقاء هذه التهمة التي وجهت إلى اليهود دون دحض علمي حاسم، يشوه صورة الفتح الإسلامي للأندلس، إذ يجعل سببه الرئيس هو الاستجابة لمطلب يهود الأندلس، وليس لتحقيق أهداف الفتح الإسلامي السامقة.

4 ـ أنّ بقاء هذه الشبهة، يعزز ما يروج له بعض الكتاب اليهود الذين يحاولون زوراً أن يجعلوا لليهود دوراً في فتح الأندلس.

وقد بدأتِ الدراسة بمقدمة تضمنتْ أهم مسَوِّغاتها، وناقشت الروايات التي ورد فيها هذا الاتهام، ثم ساقت مجموعة من البراهين التي تنفي قيام يهود الأندلس بمطالبة المسلمين بفتحها. وانتهت بقائمة للمصادر والمراجع التي أفادت منها.

وقد اعتمد الباحث المنهج التاريخي التحليلي.

وجه الإسبان إلى يهود الأندلس تهمة الاتصال بالمسلمين، ومطالبتهم بفتح الأندلس، ووعدهم بتقديم المساعدة لهم مقابل تخليصهم من حكم القوط. وقد أُعلن عن هذا الاتهام لأول مرة من قبل الملك القوطي إجيكا، وذلك في مجلس طليطلة الكنسي المنعقد سنة (75 هـ =894م) (1)

وتوجد ثلاث روايات تتحدث عن هذا الاتهام، فالرواية الأولى تذكر أن يهود الأندلس قد دخلوا في مفاوضات مع يهود أجانب في البلاد التي وراء البحر، لغرض التقدم نحو الشعب النصراني (2). والرواية الثانية تبين أن يهود الأندلس قد تفاوضوا مع الأفارقة (3). أما الرواية الثالثة فتسمي الذين تم معهم التفاوض بـ"القوم الذين وراء البحر" (4).

ويلاحظ عند التأمل في هذه الروايات أن الغموض يكتنفها جميعاً. فالرواية الأولى قد حددت أن التفاوض قد تم مع يهود، إلا أنها لم تشر إلى المكان الذي يعيش فيه هؤلاء اليهود، واكتفت بتسميتهم "يهود أجانب في البلاد التي وراء البحر". (5)

والرواية الثانية تجعل الأفارقة هم الذين تم معهم التفاوض، ولم وتوضح ما تقصده بهذه الكلمة، التي يمكن أن تعني يهود أفريقيا أو مسلميها (6). أما الرواية الثالثة فكانت الأكثرغموضاً، إذ اكتفت بالقول إن التفاوض كان مع القوم الذين وراء البحر (7)

لكننا نستطيع الاستنتاج من خلال هذه الروايات، أن الاتهام قد وجه إلى يهود الأندلس بأنهم قد تفاوضوا مع المسلمين في الشمال الأفريقي، إما مباشرة أو عبر يهود تلك المنطقة، وأن هدف المفاوضات هو تشجيع المسلمين على غزو الأندلس من أجل رفع الظلم عن يهودها.

ولا يمكن أن يكون المقصود من الاتهام بالتفاوض مع يهود الشمال الإفريقي هو أن هؤلاء هم الذين سيتولون مهمة غزو الأندلس، وإنقاذ يهودها، لأنهم كانوا أقل من أن يشك بهم القوط، ويتّهموهم بالعزم على القيام بهذا العمل الكبير، إذ كانوا يخضعون لحكم المسلمين، وليس لهم كيان مستقل، أو جيش يُخشى منه.

وأرى أن عدم ذكر كلمة المسلمين في خطاب إجيكا، وكذلك في الروايتين الإسبانيتين الأخريين، يرجع إلى قلة المعلومات المتوفرة عنهم لدى الإسبان، يؤكد ذلك رسالة "تدمير" إلى "لذريق" التي بعثها يستحثه على القدوم بجيشه لمواجهة الجيش الذي قاده طارق، إذ لم يسمهم المسلمين، بل قال: إن قوماً لا يُدرى أمن أهل الأرض، أم من أهل السماء، قد وطئوا بلادنا، وقد لقيتهم فلتنهض إلي بنفسك. (8)

وفي اعتقادي أنه لم يحدث أي اتفاق بين المسلمين واليهود على فتح الأندلس للأسباب الآتية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير