كنت قد طلبت منكم أن تراسلوني على بريدي الإلكتروني، ولكنني آثرت أن يكون حديثي إليكم عبر صفحات هذا الملتقى المبارك؛ لتعم الفائدة، خاصة بعد رد أخي الكريم محمد آيت عمران - وفقه الله -، ومرحباً بك في أي وقت – هنا، أو على بريدي الخاص -.
أما الوقوف المأثورة عن الصحابة والتابعين فإن إحدى الأخوات الفضليات في المملكة العربية السعودية قد عقدت العزم على جمعها وتحقيقها ودراستها في أطروحة علمية، وهي صاحبة فضل مشهود في مجال الوقف والابتداء- جزاه الله خير الجزاء، وأعانها على إتمام هذا الموضوع الهام -، فهي أهل لذلك، ولا أزكي على الله أحداً، ولكن ما شهدناه من عملها يرشحها لهذا العمل أكثر من غيرها، ولا أدري هل ستضم إلى الوقوف المأثورة عن الصحابة والتابعين وقوف تابعي التابعين كيعقوب وغيره، أم لا.
وقد وقفت على كتيبين للدكتور/ محمد عبد الحميد محمد جار الله الليبي، نشرتهما دار الصحابة للتراث بطنطا – الغربية – مصر، وصدرت الطبعة الأولى في سنة (1429 هـ/ 2008 م).
الأول منهما بعنوان: ((" كشف اللثام عن وقف التمام للإمام نافع بن عبد الرحمن "، يقع في (96) صفحة، عدا الفهارس.
ذكر في مقدمته: أنه كان قد جعل بعض الوقوف المأثورة عن نافع، مع " الوقوف الهبطية " محوراً للتطبيق في أطروحته للدكتوراه، فبدا له أن يجمع ما أثر عنه من كتب شتى، حتى تكون في سفر جامع، سهل المنال لكل مشتغل بالعلم، أو قارئ لقراءة الإمام، وسيتبعه – إن طالت به الحياة - بكتاب يكشف عن وجوهها، ويشرح غرائبها.
ويقول أيضاً: ((ولم يذكر عن الإمام نافع علمٌ بالنحو يُذكر، غير أن وضعه لكتاب في الوقف يستوجب معرفته بالعربية، ولو لم يكن كذلك لاكتفى بالنقل عن شيوخه، ولَمَا كان له اختيارٌ في القراءة، والدارسُ لوقوفه – وإن اصطدم بعضها ببعض قواعد النحاة – يلمح عنده حساً لغوياً ظاهراً، وفكراً ثاقباً، لو أنه اشتغل بالنحو لأتى فيه بالعجائب)).
وقال – عند الحديث عن مذهبه في الوقف واصطلاحه -: ((لم تكن التقسيمات التي تبين أنواع الوقف ومراتبه معروفة في عصر الإمام نافع؛ فمذهبه ومذهب من قبله: الوقف على تمام المعنى؛ جزئياً كان ذلك التمام، أم كلياً، دون تحديد لأنواعه: تماماً، وكفاية، وحُسناً، فلا تجد غير لفظ: ((والتمام عند نافع))، و ((قال نافع: تم))، ولم أقف على وصف غير هذا في كتاب " القطع والائتناف " للنحاس، وهو من رواة كتاب الإمام، وأقرب الناقلين عنه عصراً، ولا يشكل وصف من بعده لبعض الوقوف المأثورة عنه بقولهم: ((حسن عند نافع))، و ((جائز عند نافع))، ونحوه؛ لأنه تفسير منهم لتلك الوقوف.
وقد وجهت انتقاداتٌ لبعض ما اختاره الإمام من وقوف، وبعضها لم يراع مذهب الإمام واصطلاحه)).
ثم قال - بعد أن ذكر بعض الانتقادات التي وجهت لبعض ما اختاره الإمام نافع، ودفاعه عنه -: ((وفيما ذُكِرَ ما يؤكد علم الإمام نافع بالعربية والتأويل، حتى وإن رأى بعض علماء الوقف من النحاة أنه تعسف في بعض اختياره)).
أما باقي صفحات الكتاب؛ من (صـ 27 – 100) فقد جمع فيها ما أثر عن الإمام نافع من وقوف؛ من أول سورة (البقرة)، وحتى آخر سورة (الهمزة)، تشتمل على (83) سورة من سور القرآن الكريم، جامعاً (643) وقف، معتمداً على الكتب التالية: " القطع والائتناف "، و" الوقف على كلا وبلى " لمكي، و" المكتفى "، و" الوقف والابتداء " للغزال، وللسجاوندي، و" الهادي "، و" التنبيهات "، و" ووصف الاهتداء "، و" المقصد "، و" منار الهدى "، وذلك مع النص على الوقوف التي وافقه فيها ابن أبي جمعة الهبطي، وهي جلها.
وقد فاته الاعتماد على ثلاثة كتب، وصلت إلينا، وهي: " الإبانة " للخزاعي، و" منازل القرآن " لتلميذ أبي الفضل الرازي، المشتمل على: " فرش الوقوف "، و" الإبانة "، و" جامع الوقوف "، وهما أكثر الكتب التي احتفظت لنا بالوقوف المروية عن الإمام نافع، و" المرشد " للعماني، مما يعني: أنه قد فاتته وقوف كثيرة، رويت عن الإمام نافع.
وأما الكتاب الثاني منهما فهو بعنوان: " السفر الجامع في بيان غريب وقوف الإمام نافع "، ويقع في (80) صفحة، عدا صفحتي العنوان، وصفحتي الإهداء، وفهرس المصادر والمراجع، والموضوعات.
قال في مقدمته: ((وقد لاحظتُ غرابة وقوفه، مقارنة بالمشهور عند علماء الوقف ممن جاءوا بعده، فقعَّدوا قواعده، وحددوا معالمه وحدوده، فرأيتُ أن أبَيِّنَ عللها، وأشرحَ غوامضها، مسلطاً الضوء على البعد البلاغي في توجيه الوقف القرآني؛ لِمَا أُقصيَ عند بعض المتأخرين وأُبعِدَ؛ إذ غلب عليهم منهجُ متأخري النحويين، فوقع الوقف أسيراً بين العامل والمعمول.
والتزمتُ ذكرَ خلاف الشيخ الهبطي للإمام؛ فإنَّ غالبَ المصاحف المطبوعة بقراءة نافع قد طُبعتْ على اختيار الشيخ في الوقوف، أمَّا ما وافقه فيه فقد ذكرته في " كشف اللثام "، فليرجعْ إليه من شاء)).
ثم قال: ((وقد نظرتُ في الأسباب التي أدت إلى انتقاد وقوف الإمام، فلم أجدها تخرج عن:
1 - عدم مراعاة اصطلاحه، وذلك برد وصفه للتمام على ما هو معروف عند المتأخرين، بينما يطلق الإمام وصف (التمام) على: الوقف التام، والكافي، والحسن، ووقف البيان.
2 - عدم مراعاة مذهبه في الوقف؛ إذ يقدِّمُ الوقفَ الكافي، أو وقف البيان على الوصل.
3 - قد يقع الانتقاد على ما يوافق طرق قراءته المعروفة لدينا، بينما يبقى احتمال أنه قال ببعض الوقوف على وجوه من غير هذه الطرق والروايات، أو مما كان يقرئُ به الناسَ، وليس من اختياره.
4 - عدم مراعاة التوجيه البلاغي للوقف القرآني، والاقتصار على التوجيه وفق نظرية العامل.
5 - عدم مراعاة الوقف الذي لا يتعلق بالمعنى؛ نحو وقف التفصيل والتنويع.
6 - اتهامه بعدم معرفة العربية)).
ثم بين غريب وقوف الإمام نافع في (68) مسألة، وذلك في (34) سورة من سور القرآن الكريم.
فأنصحك بأن تولي وجهك شطر موضوع آخر من موضوعات الوقف والابتداء الكثيرة – بفضل الله – ولكنها تحتاج إلى جهابذة نقاد.
فهل من مشمر؟