[حكام يشجعون القراءات – 1 - 2 (المنصور سكوت البرغواطي، وابنه الحاجب العز)]
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[19 Jul 2010, 05:29 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
المنصور سكوت (وتسميه المصادر أيضا: سقوت وسقوط وسواجات) بن محمد البرغواطي: كان مولى للحموديين الحسنيين الذين ملكوا سبتة في عصر ملوك الطوائف في القرن الخامس بالأندلس، في أثناء الفوضى التي ضربت أطنابها بالأندلس بعد سقوط الدولة الأموية، والتي عبر عنها لسان الدين بن الخطيب بقوله:
حتى إذا سلك الخلافة انتثر=وذهب العين جميعا والأثر
قام بكل بقعة مليك=وصاح فوق كل غصن ديك
في أثناء هذه الفوضى استولى المنصور سكوت البرغواطي على مدينتي سبتة وطنجة المغربيتين المطلتين على الأندلس، سنة: 453هـ، واستبد بأمر تلك المنطقة وتلقب بـ"المنصور"، وحكمها هو وابنه العز الملقب بـ"الحاجب"، حتى لقيا مصرعهما أثناء فتح المرابطين لسبتة وطنجة، سنة: 476هـ، بعد أن بلغ المنصور سكوت نحو التسعين من العمر.
وقد اشتهر المنصور سكوت بالشجاعة والقوة والحزم والفضل والكرم، واشتهر أيضا بتشجيع العلوم والآداب، مع أنه كان أميا!! فمدحه الشعراء وعاش في كنفه العلماء، وقد كان له اهتمام خاص بالقرآن الكريم، تعبر عنه تلك الحادثة الغريبة التي تمكن من خلالها مقارنته بمعاصريه من ملوك الطوائف بالأندلس: فقد وصلت إلى أبي الوليد بن جهور حاكم قرطبة ثلاثة كتب في يوم واحد كلها من ملوك الطوائف: واحد من هذه الكتب من المعتصم بن صمادح حاكم المرية - وكان أديبا عالما - وقد كتب إلى ابن جهور يطلب جارية عوادة!! وواحد من هذه الكتب من المعتمد بن عباد - وكان أديبا عالما أيضا - وقد كتب إلى ابن جهور يطلب جارية زامرة!! وواحد من هذه الكتب من المنصور سكوت - وكان أميا - وقد كتب إلى ابن جهور يطلب قارئا يقرأ القرآن!! فوجه إليه ابن جهور رجلا من مقرئي قرطبة يعرف بعون الله بن نوح، وعلق ابن جهور على هذه الحادثة الغريبة قائلا: "جاهل يطلب قارئا!! وعلماء يطلبون الأباطيل!! "
ولما دخل الإمام أبو الحسن علي بن عبد الغني الحُصْري القيرواني (415هـ - 488هـ) الأندلس، استدعاه المنصور سكوت وابنه الحاجب العز، واستقبلاه بالحفاوة والتقدير وولياه منصب قارئ القرآن، وأفاضا عليه من كرمهما وأغنياه عن التكسب بالشعر؛ فأخرجاه - على حد تعبيره - من ظلمة الشعراء إلى نور القراء، وفرغاه لتدريس القراءات والتأليف فيها، فوجد جوا مناسبا لنشر علمه الجم، وأقبل طلبة القراءات من كل حدب وصوب على الأخذ عنه والاستفادة منه، وكان من ثمرة مقامه في كنف هذين الحاكمين نظمه لقصيدته المشهورة الرائية في قراءة نافع، وقد أشاد في مقدمتها النثرية بهذين الحاكمين، ودعا لهما وطلب من كل من قرأها أن يدعو لهما، كما يقول:
"واتبعت أصل ورش وأصل قالون في روايتيهما، وما تفرد به قالون دون ورش؛ فحافظ قصيدتي هذه يحصل على ثلاث روايات ولا يحتاج إلى درس كتاب، ولا يعجز إن شاء الله عن جواب، فليدع الله لي بالتوبة، والعصمة من الحوبة، ومن الحق الواجب، أن يدعو للمنصور والحاجب؛ فهما فجرا هذا النهر من بحري، واستخرجا هذا الدر من نحري، بصفحهما الجميل، وإحسانهما الجزيل، جزاهما الله حسن ثوابه، كما أجلساني لإقراء كتابه، وأخرجاني من ظلمة الشعراء، إلى نور القراء".
وكان الإمام أبو الحسن الحصري أستاذا مقرئا ماهرا وعالما متفننا وأديبا حاذقا، والقصيدة الحصرية من أهم مصادر قراءة نافع، وقد نالت اهتمام قراء المشرق والمغرب، ووضعت عليها عدة شروح، وقد قرأ الإمام ابن الجزري القرآن كله بمضمنها، وذكر سنده إلى ناظمها في النشر: 1/ 96، واستشهد بها في عدة مواضع من النشر. وإذا كانت هذه القصيدة متنا علميا، فإن الحصري قد أضفى عليها من لمساته الفنية ما صيرها به تحفة أدبية رائعة، ويكفي مثالا على ذلك مقدمتها التي يقول فيها:
إذا قلت أبياتا حسانا من الشعر=فلا قلتها في وصف وصل ولا هجر
ولا مدح سلطان ولا ذم مسلم=ولا وصف خل بالوفاء أو الغدر
ولكنني في ذم نفسي أقولها=كما فرطت في ما تقدم من عمري
ولا بد من نظمي قوافي تحتوي=فوائد تغني القارئين عن المقري
رأيت الورى في درس علم تزهدوا=فقلت: لعل النظم أحظى من النثر
¥