[الإمام ابن الجوزي وموقفه من القراءات]
ـ[أبو عمار المليباري]ــــــــ[28 Aug 2010, 11:40 م]ـ
ابن الجوزي إمام معروف ومشهور، وهو أحد الأعلام الذين برّزوا في فنون شتى، فله في كل فن نصيب وافر، والذي يهمنا في هذا المقام هو موقفه من علم القراءات، وقد لخصته في نقاط تالية:
1 - يرى ابن الجوزي أنه ينبغي على طالب العلم ألا يفني عمره في طلب الروايات بحيث يهمل العلوم الأخرى، فإذا رغب الطالب في القراءات فعليه الاكتفاء بالقراءات العشر، قال رحمه الله في صيد الخاطر: (اعلم أنه لو اتسع العمر لم أمنع من الإيغال في كل علم إلى منتهاه، غير أن العمر قصير، والعلم كثير، فينبغي للإنسان أن يقتصر من القراءات إذا حفظ القرآن على العشر).
كما ذكر رحمه الله أن من تلبيس الشيطان على القراء: الاهتمام الزائد بالقراءات والغلو فيها حتى يؤدي ذلك إلى التفريط في الفرائض والواجبات، قال رحمه الله في تلبيس إبليس (2/ 665) تحقيق د. أحمد المزيد: (فمن ذلك أن أحدهم يشتغل بالقراءات الشاذة وتحصيلها، فيُفني أكثر عمره في جمعها وتصنيفها والإقراء بها، ويشغله ذلك عن معرفة الفرائض والواجبات، فربما رأيت إمام مسجد تصدر للإقراء ولا يعرف ما يفسد الصلاة).
وقال رحمه الله في صيد الخاطر: (قد ثبت بالدليل شرف العلم وفضله، إلا أن طلاب العلم افترقوا، فكل تدعوه نفسه إلى شيء، فمنهم من أذهب عمره في القراءات، وذاك تفريط في العلم؛ لأنه إنما ينبغي أن يعتمد على المشهور منها لا على الشاذ، وما أقبح القارىء يسأل عن مسألة الفقه وهو لا يدري، وليس ما شغله عن ذلك إلا كثرة الطرق في روايات القراءات).
2 - ابن الجوزي لا يجيز القراءة بالشواذ، ويرى أن الصلاة لا تصح بالقراءة الشاذة، يقول رحمه الله في التلبيس (2/ 666): (ومن ذلك أن أحدهم يقرأ في محرابه بالشاذ ويترك المتواتر المشهور، والصحيح عند العلماء أن الصلاة لا تصح بهذا الشاذ).
3 - القراءات المتواترة عند ابن الجوزي هي العشر، بدليل عبارته المذكورة أولاً والتي تحث طالب العلم على تلقي القراءات العشر، ثم إنه قرأ القراءات العشر على الإمام المقرئ ابن الباقلاني، فدل ذلك على أن العشر متواترة عنده؛ لأنه لا يجيز القراءة ولا الإقراء بالشواذ كما تقدم.
وقد أخذ الإمام ابن الجوزي القراءات العشر عن الإمام أبي بكر الباقلاني بمضمن كتاب "الإرشاد" لأبي العز القلانسي، وذكر ذلك الحافظ أبو بكر ابن نقطة في كتابه "التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد"، وكذلك الإمام ابن الجزري في ترجمة ابن الباقلاني، وهو عبد الله بن منصور الباقلاني الواسطي المتوفى سنة (593هـ) وشيخه أبو العز صاحب كتاب "الإرشاد".
والعجيب أنه تلقى القراءات وسنه نحو الثمانين كما أفاد الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء، يقول الذهبي معلقاً (21/ 37): (فانظر إلى هذه الهمة العالية!).
فليكن الإمام ابن الجوزي قدوة لغيره من المتخصصين في الفنون الأخرى، فإن تخصصهم فيها لا يمنعهم من تلقي القرآن بالروايات المختلفة، ثم إن كبر السن أيضاً لا ينبغي أن يحول دون تلقي الروايات.
4 - لا يجيز ابن الجوزي جمع القراءات بالحرف، فيقول رحمه الله في التلبيس (2/ 666): (ومنهم من يجمع القراءات فيقول "مَلِكِ مَالِكِ مَلاَّكِ" وهذا لا يجوز لأنه إخراج للقرآن عن نظمه)، والقراءة الأخيرة شاذة منسوبة إلى علي بن أبي طالب كما في النشر.
5 - يكره ابن الجوزي قراءة القرآن بالألحان، فقال في التلبيس (2/ 669) (ومن ذلك أن جماعة من القراء أحدثوا قراءة الألحان وقد كانت إلى حد قريب، وعلى ذلك فقد كرهها أحمد بن حنبل وغيره ولم يكرهها الشافعي ... قال الشافعي: أما استماع الحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به، ولا بأس بقراءة الألحان وتحسين الصوت ... قلت: إنما أشار الشافعي إلى ما كان في زمانه، وكانوا يلحنون يسيراً، فأما اليوم فقد صيروا ذلك على قانون الأغاني، وكلما قرب ذلك من مشابهة الغناء زادت كراهته، فإن أُخرج القرآن عن حدِّ وضعه حرم ذلك).
ـ[طه محمد عبدالرحمن]ــــــــ[29 Aug 2010, 12:02 ص]ـ
بارك الله فيك على هذا الموضوع القيم.