تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لماذا نظم ابن الجزري الطيبة؟]

ـ[أحمد كوري]ــــــــ[15 Jul 2010, 03:30 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

يضع كل مصنف نصب عينيه هدفا واضحا لتصنيفه؛ فالشاطبي مثلا نظم "حرز الأماني" ليقرأ بمضمنها، وابن الجزري نظم الدرة كذلك ليقرأ بمضمنها؛ فمن السهل على من حفظ القرآن العظيم بإحدى الروايات ثم درس هذين المتنين أن يقرأ بطرقهما، لأن كل واحد منهما ليس فيه إلا طريق واحدة؛ فليس في الشاطبية مثلا من طرق قالون إلا طريق أبي نشيط، وليس فيها من طرق أبي نشيط إلا طريق التيسير، وليس فيها من طرق ورش إلا طريق الأزرق، وليس فيها من طرق الأزرق إلا طريق التيسير، فإذا نسبت الشاطبية وجها إلى قالون فمعنى ذلك أنه من طريق أبي نشيط، ومن طريق التيسير عن أبي نشيط، وإذا نسبت وجها إلى ورش فمعنى ذلك أنه من طريق الأزرق ومن طريق التيسير عن الأزرق، وهكذا لا يجد القارئ صعوبة في تحرير الطرق والقراءة بها من هذين المتنين، باستثناء زيادات وإطلاقات وأوهام قليلة نسبيا، نبه عليها شراح المتنين.

أما الطيبة فليست كذلك؛ فلم ينظمها ابن الجزري ليقرأ بمضمنها؛ والدليل على ذلك أن طرقها غير محررة، فقد تضمنت طرق الشاطبية والتيسير ثم زادت عليها ضعف ضعفها، كما يقول عن الحرز (في البيت: 57):

حوت لما فيه مع التيسير=وضعف ضعفه سوى التحرير

وقد بلغت طرقها نحو ألف طريق، كما يقول (في البيتين: 34 - 35):

وهذه الرواة عنهم طرق=أصحها في نشرنا يحقق

باثنين في اثنين وإن لا أربع=فهي زها ألف طريق تجمع

ففي الطيبة أورد ابن الجزري عن قالون مثلا طريقي أبي نشيط والحلواني، ثم أورد عدة طرق لأبي نشيط (فطريق ابن بويان عن أبي نشيط: من التيسير والشاطبية وهداية المهدوي، وكافي ابن شريح، وغاية ابن مهران، وكامل الهذلي، ومستنير ابن سوار، وتلخيص أبي معشر، ومبهج سبط الخياط، وتجريد ابن الفحام، وروضة المالكي، وكفاية أبي العز، ومصباح أبي الكرم، وغاية أبي العلاء، وكفاية السبط في الست. وطريق القزاز عن أبي نشيط: من الشاطبية وتذكرة أبي الحسن بن غلبون، وهادي ابن سفيان، وتلخيص ابن بليمة، وتبصرة مكي، وإعلان الصفراوي، وقراءة ابن الجزري على ابن اللبان)، (انظر: النشر: 1/ 99 - 102، والروض النضير: 59 - 60). وأورد عدة طرق للحلواني كذلك، وفي الطيبة أورد ابن الجزري عن ورش طريقي الأزرق والإصبهاني، ثم أورد عدة طرق للأزرق، وعدة طرق للإصبهاني، ولم يحرر ابن الجزري هذه الطرق؛ كما يتضح من هذا المثال: فالشاطبي مثلا أفادنا أن قالون وجميع القراء ليس لهم من طرق الشاطبية في "يمل هو" إلا ضم الهاء؛ كما يقول (في البيت: 450):

وثم هو رفقا بان والضم غيرهم=وكسر وعن كل يمل هو انجلى

فعرفنا من ذلك أن مقصوده من طريق أبي نشيط عن قالون، ومن بقية طرق الشاطبية، أما ابن الجزري في الطيبة فقد أفادنا أن قالونا له طريقان في المسألة؛ فله طريق تضم الهاء وطريق تسكنها، كما قال (في البيتين: 439 - 440):

واو ولام رد ثنا بل حز ورم=ثم هو والخلف يمل هو وثم

ثبت بدا ...

لكن ما هي الطريق التي تضم الهاء لقالون وما هي الطريق التي تسكن الهاء لقالون؟ لم يرد ابن الجزري أن يحرر لنا هذه الطرق في طيبته؛ ومن ثم فلا يمكننا نحن أن نحررها اعتمادا على الطيبة وحدها، بل لا بد أن نلجأ إلى النشر وإلى أصوله لكي نحرر هذه الطرق؛ وهكذا لا تمكن مطلقا القراءة بطرق الطيبة منها إلا بالاستعانة بمصادر خارجية.

صحيح أن ابن الجزري في الطيبة قد استعمل مستوى من التحرير في رواية ورش؛ فهو قد حرر بين طريقي الأزرق وورش، وميز كل واحدة منهما في الأصول، كما يقول (في البيتين: 39 - 40):

وحيث جا رمز لورش فهوا=لأزرق لدى الأصول يروى

والاصبهاني كقالون وإن=سميت ورشا فالطريقان إذن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير