[اصطلاح الواجب عند القراء وعلماء التجويد بين الشرعي الصناعي والاصطلاحي]
ـ[بودفلة فتحي]ــــــــ[13 Aug 2010, 02:08 م]ـ
التمييز بين الواجب الشرعي , الصناعي والاصطلاحي
كثيرا ما يتردد اصطلاح الواجب في كتب القراءات والتجويد ولكنّه لا يراد به نفس المعنى كما أنّه لا يراد به دائما المعنى المشهور المتبادر إلى ذهن عموم المسلمين عند سماع هذه اللفظة ألا وهو ما يلزم المكلفين فعله ... لهذا وجب تسجيل وقفة ها هنا نبيّن فيها حقيقة هذا الاصطلاح عند أهل القراءة والتجويد ...
1. الواجب الشرعي1 هو عند جماهير الأصوليين "ما طلب الشارع فعله لزوما" أو هو كما عرّفه الشوكاني رحمه الله "ما يمدح فاعله ويذم تاركه على بعض الوجوه" وعرّفه أبو الوليد الباجي بقوله "ما كان في تركه عقاب من حيث هو تركٌ له على وجه ما " وهو اصطلاح مشترك بين علماء الشريعة قاطبة وهو المرادف عند الجمهور للفرض ويسمى كذلك بالمكتوب والحقّ والحتم ... وإذا أطلق هذا الاصطلاح في شتّى الفنون والعلوم الشرعية من غير قرينة صارفة سواء كانت حالا أو مقاما أو سياقا أو لفظا أو نغما ... انصرف إلى هذا المعنى المذكور ها هنا.
ويرى صاحب السلسبيل 2 أنّ الواجب الشرعي إنّما يطلق عند علماء التجويد والقراءات ويقصد به أحد معنيين اثنين الأوّل:ما يحفظ الحرف من تغيير مبناه ومعناه وهو ما يلزم لتجنب ما يسمى باللحن الجليّ حيث يقول:
صيانة اللفظ عن الجليّ يدعونه بالواجب الشرعيّ 3
الثاني: ما أجمع عليه القراء من المسائل والأحكام ويقول في حقّه:
وقيل إنّ الواجبَ الشرعيّا ما فيه إجماعهم سويّا
أمّا القسم الأوّل فهو مندرج في تعريف الواجب الشرعي الذي ذكرناه في أوّل المطلب لأنّه تغيير لمعنى ومبنى الكلمة بغير وجه حقّ وهذا النوع من التغيير تحريف لكلام الله عزّ وجلّ القائل في كتابه {قرآنا عربيا غير ذي عوج} وأمّا القسم الثاني فغالب ما أجمع عليه القراء وعلماء التجويد من الأوجه والأحكام مندرج فيه (الواجب الشرعي) لأنّ جلّ المباحث المجمع عليها لا يجوز العدول عنها والقراءة بغيرها وما يخالفها لا يعدّ قرآناً أصلا ولكن هذا في الغالب الأعمّ إذ يوجد من المجمع عليه بين القراء ما ليس بواجب شرعيّ عندهم ولا يأثم من تركه على وجه العبادة لا الرواية عن القراء ومشايخ الأداء ... ومثال ذلك الاستعاذة في أوّل القراءة فهي ممّا لا خلاف في لزومها عندهم ولكن تركها على مذهب جمهور الفقهاء لا يوجب إثما شرعيا ... ولكن ممّا يدلّ على أنّهم إنّما أرادوا به ما قدّمنا في أوّل هذا المطلب قول ابن غازي في شرحه: "الواجب في علم التجويد ينقسم إلى قسمين: أحدهما: شرعي وهو ما أجمع عليه القراء كالإخفاء والإدغام والإظهار والإقلاب وترك المدّ فيما أجمع على قصره وترك القصر فيما أجمع على مدّه , وغير ذلك ممّا ليس فيه خلاف , فهذا الواجب يفسق تاركه ويكون مرتكبا لكبيرة كما دلّ عليه الحديث السابق (اقرءوا القرآن بلحون العرب) الحديث"اهـ4
2. الواجب الصناعي: هو ما أجمع عليه علماء التجويد وأهل الاختصاص من المسائل والأحكام بحث لا يجيزون في عرفهم تركها ... ويلزمون الآخذين عنهم بها ... ولكن هذا الحتم والإلزام مردّه ومرجعه عرفُهم الخاص لا الشريعة العامة فلا يأثم تاركه عند الله عزّ وجلّ ولا يعدّ عاصيا ولا يستوجب العقوبة والذم عند غير القراء ... ومن أمثلة الواجب الصناعي مسألة الاستعاذة المتقدمة وكذلك البسملة في أوّل السور إذا ابتدأ بها القارئ فإنّها واجبة عندهم يلزمون من ابتدأ القراءة من أوّل السورة أن يأتي بها رغم أنّها في الشرع عامة ليست ملزمة للخلاف الوارد فيها ... ومن أمثلة الواجب الصناعي عند بعض علماء التجويد لا كلّهم ـ خاصة المتأخرين منهم ـ أحكام الإدغام والإخفاء والترقيق والتفخيم ونحوها ممّا هو لازم عندهم من تركه عزّر بما يقتضيه علمهم وعرفهم كطلب الإعادة وعدم الاعتداد بالقراءة أو عدم الإقرار والإجازة ونحو ذلك ... 5
ولصاحب السلسبيل في تعريف الواجب الصناعي أربعة أقوال الأوّل منها نصّ عليه بقوله:
(156) وصونُهُ عنِ الخفيِّ المشاعِ يدعونه بالواجب الصناعي
¥