محاولة ضبط تعريف التجويد وحدّه
ـ[بودفلة فتحي]ــــــــ[13 Aug 2010, 02:56 م]ـ
تعريف التجويد
أهمية التعريفات وضوابطها:
الأصل في تعريف الشيء أن يقتصر فيه على ما يحقق المقصود وهو أن تتبلور في ذهن السامع وتتحدّد مهية الشيء المُعَرّف , وقد يحصل ذلك باللفظ الواحد المفرد وهو المسمى عندهم1 بالتعريف اللفظي؛ يكون اللفظ المعرِّف فيه أظهر من اللفظ المعرَّف كقولك: (جوّد بمعنى حسّن) وهو في حقيقة الأمر من باب شرح المفردات في علم متن اللغة لا أكثر ولا أقلّ, وقد لا يحصل المقصود إلاّ بجملة وعبارة تطول وتقصر بحسب سعة مهيّة المعرَّف وعمق معناه والتباسه أو تداخله بغيره ...
فإذا تحقق المقصود ووقع المطلوب سمي هذا التعريف حدّاً لأنّه يصير بمثابة الحدّ والحاجز الذي يمنع المعرَّف من مشاركة غيره في حقيقته ومهيّته وهو في ذات الوقت الحدّ والحاجز الذي يمنع غير المعرَّف من أن يتداخل معه ويشاركه في حقيقته ومهيته ... 2
وإنّ لمثل هذه الحدود المنضبطة في مختلف العلوم وشتى الفنون نكت عدّة وفوائد جمّة ... فهي تعطيك من أوّل وهلةٍ نظرةً عامة وشاملة للعلم المعرَّف من حيث مباحثه ومسائله , كما تعطيك نظرة دقيقة ومحدّدة له من حيث نسبته لباقي العلوم وغيرها من الفوائد والنكت ... ولهذا اهتمّ العلماء بضبط التعريفات وتدقيق الحدود فصنفوا فيها كتبا كثيرة لعل من أشهرها:
? رسالة الحدود لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني (388هـ)
? حدود ابن عرفة الورغيمي التونسي المالكي (802هـ) وعليه شروح عدّة منها شرح أبي عبد الله محمد بن القاسم الأنصاري المعروف بالرصاع (894هـ)
? الحدود في أصول الفقه للقاضي أبي الوليد الباجي (474هـ)
? التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني (812هـ)
? معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم لجلال الدين السيوطي (911هـ)
? الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (926هـ)
? التوقيف على مهمة التعاريف لمحمد زين الدين عبد الرؤوف المناوي (1031هـ)
? ومن الكتب الحديثة: التعاريف المهمة لطلاب الهمّة لأبي عثمان المزيني
كما توسعوا في وضع شروط التعريفات وأركانها وبيان ضوابطها وأحكامها حتّى يؤدّي التعريف دوره المنوط به ...
حقيقة حدود المناطقة:
... ولكن قبل الحديث عن هذه الأركان والشروط لنتحدث قليلاً عن هذا العلم الذي يزعم أصحابه أنّه المخوّل ـ وحده ـ بوضع التعريفات والحدود ... ألا وهو علم المنطق , وعن الفرق بين اعتقاد أصحابه ومنهجهم وبين ما نروم إليه في هذه البحوث ...
لعلم المنطق ركنان أو بعبارة أصحّ وأدقّ مجالات بحثه اثنان: الحدّ والبرهان فأما البرهان فلنا في أدلتنا الشرعية الكلّية ما يغنينا عنه وأمّا الحدّ "وهو الوصف المحيط الكاشف" فقد انتُقِد المناطقة فيه لا من حيث الحدّ نفسه ولكن من حيث اعتقادهم فيه فهم يزعمون أنّ الحدود هي أصل كلّ علم3 وأنّ الأشياء لا تدرك على حقيقتها ولا تتصور إلاّ بالحدود4
والردّ على هاتين المقالتين من وجوه عدّة ومناحي شتّى فأما زعمهم أنّ الحدّ هو أصل كلّ علم فإنْ قصدوا بالأصل أوّله في الدراسة والبحث فنعم بدليل الاستقراء والواقع فما من علم من علوم العجم والعرب وعلوم الدنيا والدين إلاّ وكان أوّل مباحثه حدّه وتعريفه ولا ينكر هذا أحد وأمّا إن كان قصدهم أهمّ ما فيه أو أنّ العلم كلّه متفرع عنه فغير مسلّم. وكيف يكون كذلك والعلم موجود قبل التعريف والحدّ , وهل يعقل أن يتفرع القديم عن الحديث والأوّل عن الآخر .. ثمّ إنّ أعظم ما في العلم موضوعه أو مباحثه ومسائله وأجلّ ما فيه ثمرته وغايته ...
وأما أنّ تصور الأشياء متوقف على التعريفات والحدود أو أنّ المنطق هو المخوّل الوحيد لوضع هذه التعريفات فغير مسلّم كذلك وقد ردَّ هذا الزعم غيرُ واحد من أهل العلم لعل أشهرهم شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام السيوطي عليهما رحمة الله ومن جملة ما ردّوه به ما يلي:
? أنّ النّاس يدركون حقائق الأشياء ويعرفونها من غير تعريف في الغالب الأعمّ , ويعجبني ها هنا تعريف بعض مشايخ الإقراء للقرآن بأنّه كتاب الله تعالى يعرفه العجمي قبل العربي والكافر قبل المسلم لا يجهل أصله أحد وكلّ من وضع له تعريفا وشروطا ما زاده إلاّ إبهاما وتعقيدا ...
¥