تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تقاليد قراءة القرآن – 2 (التقاليد المغربية)]

ـ[أحمد كوري]ــــــــ[13 Aug 2010, 06:55 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه

أقبل المسلمون منذ نزول القرآن على قراءته وتدبره، وما يزالون كذلك والحمد لله. وقد اتخذت بعض الشعوب الإسلامية تقاليد لقراءة القرآن، تختلف باختلاف الزمان والمكان.

ومنها تلك التقاليد التي كان يأخذ بها المغاربة وما يزالون إلى اليوم، وهي "قراءة الحزب الراتب"، أي: قراءة حزب بعد الصبح وآخر بعد المغرب، يوميا جماعيا في المساجد؛ فيتم ختم القرآن الكريم كل شهر بهذه الطريقة، يقرأ الإمام أو بعض نوابه جهرا ويتبعه الحضور في القراءة. وقد كان لهذا البرنامج دور كبير في الحفاظ على كتاب الله ونشر حفظه وتلاوته وسماعه بين العامة سواء كانوا متعلمين أو أميين، خصوصا في ظل تفشي الأمية في البوادي وندرة المصاحف قبل شيوع الطباعة.

أول من قرر هذا التقليد هو السلطان أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الموحدي (533 – 580هـ)، كما يقول الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله الرباطي (معجم المحدثين والمفسرين والقراء بالمغرب: 5): "وقد أمر يوسف بن عبد المؤمن الموحدي، رغم كراهة مالك لقراءة القرآن جماعة، بتأسيس قراءة الحزب في المساجد، ومنعت قراءته بدون تجويد، وتيسيرا لذلك قام العلامة محمد بن أبي جمعة الهبطي بوضع طريقة لوقف القرآن لم تكن معروفة في المشرق".

وينسب أبو إسحاق الشاطبي إحداث قراءة الحزب الراتب بالمغرب والأندلس إلى محمد بن تومرت (485 – 524هـ) المتلقب بـ"المهدي" مؤسس الدولة الموحدية، ويرى الشاطبي أن ابن تومرت نقل هذا التقليد عن أهل الإسكندرية، كما يقول الشاطبي (الاعتصام: 2/ 70): "وقد أحدث بالمغرب المتسمي بالمهدي تثويبا عند طلوع الفجر، وهو قولهم: "أصبح ولله الحمد" إشعارا بأن الفجر قد طلع؛ لإلزام الطاعة ولحضور الجماعة وللغدو لكل ما يؤمرون به، فيخصه هؤلاء المتأخرون تثويبا بالصلاة كالأذان. ونقل أيضا إلى أهل المغرب الحزب المحدث بالإسكندرية، وهو المعتاد في جوامع الأندلس وغيرها، فصار ذلك كله سنة في المساجد إلى الآن، فإنا لله وإنا إليه راجعون".

يقول الأستاذ أحمد الراضي في بحثه: التلاوة المغربية للقرآن الكريم (مجلة دار الحديث الحسنية ص: 160 – 163):

" ... وحتى يستمر المغاربة على حفظ القرآن وتلاوته ويرتبطوا به ارتباطا وثيقا في سلوكهم وأخلاقهم، أوجبوا قراءة حزبين على الأقل في كل يوم، بحيث يجب على المتهاونين والذين تستغرق أشغالهم جميع أوقاتهم، ولا يتمكنون معها من قراءة القرآن أن يقرؤوا حزبين كل يوم. وهذا حد أدنى لا يجوز إطلاقا التنازل عنه؛ ولذلك أحدثوا قراءة الحزب الراتب في المساجد، وهو عبارة عن قراءة حزب (قراءة جماعية) بعد صلاة المغرب مباشرة، وقراءة حزب آخر بعد صلاة الصبح مباشرة. ويذكر المؤرخون أن أول من أحدث هذا الحزب في المغرب هو يوسف بن عبد المؤمن بن علي الموحدي؛ فقد أمر بالمحافظة عليه في البلاد المغربية التي تحت طاعته (هامش: انظر العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، للمنوني ص: 46). وقد أصبحت قراءة الحزبين في المسجد أمرا معمولا به في جميع أنحاء المغرب في قراه ومدنه، حتى أصبحت من مهام إمام المسجد التلقائية التي لا تحتاج إلى ذكر عند إسناد الإمامة إليه، فإذا فرط في قراءة الحزبين في وقتيهما أصبح في نظر الناس مخلا بواجباته الوظيفية، وقد يكون ذلك سببا في استبدال إمام آخر به يقوم بقراءة الحزب. وعلى ذكر قراءة الحزبين في المسجد يجدر بنا أن نشير إلى أن في المغرب الآن نوعين من الحزب: أحدهما يسمى بالحزب الشهري، والمقصود به أن افتتاح الختمة القرآنية يجب أن يكون في بداية كل شهر عربي، والانتهاء منها يجب أن يكون في نهاية الشهر، وهكذا كلما ابتدأ الشهر ابتدأت معه الختمة القرآنية وكلما انتهى انتهت معه. وثانيهما: الحزب الذي يسميه بعض الناس بالحزب الراتب، وهو لا يخضع لبداية شهر ولا لنهايته ويتميز عن الأول بقراءة سورة الكهف مساء كل يوم خميس، وسورة يس صبيحة كل يوم جمعة (هامش: ومن المغاربة من يقرأ صبيحة يوم الجمعة يس وسورة الدخان وسورة الملك وسورة الواقعة، ومنهم من يقتصر على سورة يس وسورة الدخان) بدل الحزبين اللذين جاء

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير