تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[القراءات القرآنية في تصور العقاد]

ـ[أحمد كوري]ــــــــ[04 Sep 2010, 06:03 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.

تصحيح المفاهيم وإصلاح الأخطاء العلمية والفكرية، مهمة منوطة بالمتخصصين في الدراسات الشرعية:) وإذ اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه (. ومن هنا كان لزاما لهم أن يطلعوا على تصورات العامة عن المسائل الشرعية حتى يصححوها ويصلحوها. والمقصود بـ"العامة" هنا كل من ليس متخصصا في الدراسات الشرعية، ولو مبرزا في فنه.

وها أنا أعرض للمتخصصين تصور الأديب الكبير عباس محمود العقاد عن القراءات القرآنية.

للعقاد مقال عنوانه: "لو عاد محمد عليه السلام"، طرح فيه السؤال التالي: لو عاد إلينا اليوم سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترة قصيرة من الزمن، فما هي الأسئلة الضرورية والمستعجلة التي تشكل على المسلمين، ويحتاجون لطرحها عليه لكي يسمعوا منه فصل الخطاب فيها؟

وقد شرح العقاد الفكرة التي يقوم عليها المقال بقوله (حياة قلم: 592):

"وأسأل نفسي كيف ينتفع المسلمون على أحسن وجوه النفع بعودة النبي عليه السلام فترة قصيرة من الزمن؟ وما هي المسائل التي يرجعون بها إلى شخصه الكريم فيسمعون منه فصل الخطاب فيها؟ أسأل نفسي فتخطر لي مسائل خمس يرجع فيها إلى شخصه الكريم ويغني جوابه فيها كل الغناء فلا لجاجة ولا اختلاط ولا حاجة إلى الاجتهاد والتأويل من مجتهد أو مقلد وما أشبه الاجتهاد والتقليد في هذا الزمان! ".

والذي يهمنا هنا من هذه المسائل هو مسألة القراءات القرآنية، التي يقول عنها العقاد (حياة قلم: 593):

"ومسألة الروايات القرآنية دون مسألة الأحاديث في إشكالها ونتائج الاختلاف عليها، فإن الروايات التي لم يتفق عليها القراء لا تغير شيئا من أحكام القرآن، ويمكن الأخذ بها جميعا ولا ضرر في ذلك ولا ضرار. إلا أنها لا تحتمل أقل اختلاف مع وجود النبي [صلى الله عليه وسلم] الذي تنزل عليه القرآن فما يقوله فيها فهو مجتمع القراءات ومرجع الروايات، ومتى استمع الناس إلى تلاوته – في عصر التسجيل – فتلك ذخيرة الأبد في ذاكرة الأجيال، وسيبقى صوته بتلاوة القرآن أول ما يسمعه السامعون في مجالس الذكر الحكيم".

لقد أصاب العقاد حين ذهب إلى إن اختلاف القراءات هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد؛ فأكثر الخلاف بين القراء لا يغير المعنى كما في أبواب الأصول (المد والإمالة والإدغام .. )، والذي يغير المعنى كبعض مسائل الفرش لا يضاد بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض، كما قال ابن الجزري في النشر (1/ 52): "إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرق إليه تضاد ولا تناقض ولا تخالف، بل كله يصدق بعضه بعضا، ويبين بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض، على نمط واحد وأسلوب واحد. وما ذلك إلا آية بالغة وبرهان قاطع على صدق من جاء به، صلى الله عليه وسلم".

لكن العقاد قد جانب الصواب حين تصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بقراءة واحدة، وأنه لو عاد اليوم لقرأ بقراءة واحدة، بل قد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بكل القراءات المتواترة، وروى عنه الصحابة كل القراءات المتواترة: "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف؛ فاقرؤوا منه ما تيسر".

وليس الخلاف القرائي كالخلاف الفقهي أو العقدي؛ ففي الخلاف الفقهي أو العقدي ينفي كل من المختلفين مذهب الآخر، بعكس الخلاف القرائي، فإن القارئ إذا اختار قراءة لا يطعن في القراءة الأخرى.

المصدر:

حياة قلم - المجموعة الكاملة لمؤلفات الأستاذ: عباس محمود العقاد – المجلد: الثاني والعشرون – دار الكتاب اللبناني – بيروت – ط 1 – 1982م.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير