أقول - والله أعلم - إن جميع الأصوات متصفة بالهمس وبالجهر في آن واحد، مع أنهما ضدان لا يجتمعان! لكن قد تغلب صفة على الأخرى فينسب الصوت إليها دون الأخرى؛ فلا صوت يسمع بلا خروج للنفس، ولا صوت يسمع بلا اهتزاز للأحبال الصوتية، وهو ما يفسر كلام الدكتور أنيس الذي أورده أخونا عمار الخطيب. وتفسير ذلك: أن الصوت لا يحدث إلا بحبس كلي أو جزئي للهواء الخارج من الرئتين في نقطة من نقاط التقاء الجهاز الصوتي، وهي المعروفة بالمقاطع أو المخارج، فما الفرق إذن بين الصوت والنفس؟! النفس هو الهواء الزائد على تكوين الصوت، سواء استمر الصوت بالحبس الجزئي عند تضييق المجرى، أو توقف بالحبس الكلي عن إغلاق المجرى، ولننصت لهذه الأصوات الأربعة (د ت ز س):
* (د) = ينحبس فيه الصوت فلا يستمر، وينحبس فيه كذلك الهواء الزائد؛ حبس الصوت = شدة، وحبس النفس = جهر.
* (ت) = ينحبس فيه الصوت كالدال (شديد)، ولا ينحبس فيه الهواء الزائد على تكوين الصوت (النفس)؛ فهو شديد مهموس، وما من شديد مهموس في النطق القديم غير التاء والكاف، وفي عصرنا الطاء والقاف كذلك. فهل هذا يعني أن الحبلين الصوتيين هادئين تماماً مع التاء؟ طبعاً لا! ولكن لضعف هذا الاهتزاز لا يذكر، ولولاه ما سمع الصوت، وهل الهواء لم يخرج مع الدال، كلا! لكنه مقتصر على ما يتكون به الصوت فيسمى صوتاً لا نفَساً.
* (ز) = يستمر فيها الصوت، والصوت يحدث باحتكاك الهواء، لكن الهواء مقتصر على ما يتكون به الصوت دون زيادة نفخ فلا يسمى نفَساً. فهو رخو مجهور.
* (س) = يستمر فيها الصوت كالزاي، والصوت بالهواء، لكن يخرج معه هواء زائد على اللازم لتكوين الصوت وهو الذي يسمى نفَساً، فالسين صوت رخو مهموس.
ملاحظة: يغلب اهتزاز الوترين الصوتيين بوضوح مع التي يقتصر فيها الهواء على المكون للصوت، وهو حقيقة الجهر.
ويغلب خروج الهواء الزائد على تكوين الصوت (النفَس) مع التي يحدث فيها اهتزاز ضعيف لا يعتد به مع ضرورة وجوده، وهو حقيقة الهمس.
فالهاء مهموسة باتفاق، لخروج النفس، وهو الهواء الزائد على صوتها، وصوتها يحدث باحتكاك الهواء بالوترين الصوتيين أنفسهما إذا اقتربا من بعضهما وضيقا مجرى الهواء، مع وجود اهتزاز طفيف بالضرورة لا يعتد به فلا يذكر، أما نطقها بخروج الهواء الزاء دون احتكاك، وهو ما يفعله بعض الصغار والمبتدئين في قراءة القرآن العزيز، فهو صوت إنساني غير لغوي، وقد يكون - مع بعض الإتقان - صوتاً لغوياً غير شرعي.
ـ[مهند شيخ يوسف]ــــــــ[09 Oct 2010, 10:19 م]ـ
جزاك الله خيرًا أبا لقمان.
لكن الإشكال أن اهتزاز الوترين مع الهاء يتولد منه صوت يشبه صوت الجهر.
أضف إلى ذلك أن الرسم التوضيحي لمخارج الحروف في كتاب المنير بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية يميز الهاء عن سائر حروف الهمس باهتزاز يسير للوترين الصوتيين.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[10 Oct 2010, 05:21 ص]ـ
جزى الله خيرا الأستاذ الكريم أبا لقمان على مشاركته النافعة، وبارك الله فيه.
قلتم: " أقول - والله أعلم - إن جميع الأصوات متصفة بالهمس وبالجهر في آن واحد ... "
" ولا صوت يسمع بلا اهتزاز للأحبال الصوتية "
قلتُ: هل سبقك إلى هذا القول أحدٌ من العلماء المتقدمين أو المعاصرين؟
إِنَّ كلامَ الدكتور إبراهيم أنيس وغيره لا يتفق مع ما قلتم (الأصوات اللغوية ص22):
" فالصوت المهموس هو الذي يهتز الوتران الصوتيان ولا يسمع لها رنين حين النطق به. وليس معنى هذا أن ليس للنفس معه ذبذبات مطلقا وإلا لم تدركه الأذن، ولكن المراد بهمس الصوت هو صمت الوترين الصوتيين معه، رغم أن الهواء في أثناء اندفاعه من الحلق أو الفم يحدث ذبذبات يحملها الهواء الخارجي إلى حاسة السمع فيدركها المرء من أجل هذا ".
أما ما أشرتم إليه مِنْ أَنَّ نَفَسَ الحرف المجهور قليل، ونَفَس الحرف المهموس كثير ... فلا أخالفكم فيه.