قال ابن الصلاح: " ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب، أو كون الحديث شاذا "
علوم الحديث لابن الصلاح (ص: 34).
وقال الحافظ ابن حجر: " ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر، كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز، والمستور والإسناد المرسل، وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه:
صار حديثهم حسنا لا لذاته، بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع والمتابع؛ لأن كل واحد منهم احتمال أن تكون روايته صوابا أو غير صواب على حد سواء، فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم، رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين، ودل ذلك على أن الحديث محفوظ، فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول "
نزهة النظر (ص: 105).
وقد بين الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله - بعبارات موجزة ما يصلح من الطرق للتقوية، فقال وهو يضعف حديثا أورد له السبكي طرقا ضعيفة وواهية لا تصلح لتقويته قال:
" وكم من حديث له طرق أضعاف هذه الطرق التي ذكرها المعترض وهو موضوع عند أهل هذا الباب، فلا يعتبر بكثرة الطرق وتعددها، وإنما الاعتماد على ثبوتها وصحتها، والحاصل أن ما سلكه المعترض من جميع الطرق في هذا الشأن وتصحيح بعضها واعتماده عليه، وجعل بعضها شاهدا لبعض ومتابعا له، هو مما تبين خطؤه فيه "
الصارم المنكي (ص: 243).
وقال أيضا: " وكم من حديث كثرت طرقه وهو حديث ضعيف، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفا. . . "
ينظر: نصب الراية (1\ 360)، تنقيح التحقيق (2\ 831).
ويستفاد من كلام الحافظ ابن عبد الهادي أن العبرة ليست بكثرة الطرق وتعددها، ولكن العبرة بكونها محفوظة سالمة من العلل القادحة والوهم والخطأ، وعلى هذا فيتعين عند النظر في الطرق تمحيصها والتدقيق فيها، والتأكد من سلامتها من النكارة والعلل القادحة قبل الاعتداد بها والاستفادة منها في تقوية الأحاديث.
قال الإمام أحمد: " الحديث عن الضعفاء قد يحتاج إليه في وقت، والمنكر أبدا منكر "
علل الحديث ومعرفة الرجال (ص: 120).
ومراد الإمام أحمد - والله وأعلم - أن المنكر لا يعتبر به، ولا يحتاج إليه في باب الاعتضاد وشد الطرق؛ لعدم صلاحيته لذلك، ولا يستأنس به في مجال الاستدلال، وقد عُرف عن الإمام أحمد الأخذ بالحديث الضعيف إذا لم يوجد في الباب ما يدفعه،
قال - رحمه الله -: " طريقتي: لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب ما يدفعه "
خصائص المسند لأبي موسى المديني ص (27).
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: ربما كان الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إسناده شيء، فنأخذ به إذا لم يجئ خلافه أثبت منه ".
ولم يصحح الأئمة حديث: "الأعمال بالنيات " إلا من طريق واحدة، وحكموا على سائر طرقه بالخطأ والنكارة ولم يقووا الحديث بها، مع أن بعض الأسانيد أخطأ فيها من هو صدوق في الحفظ، وليس ضعيفا.
قال البزار: " لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث عمر، ولا عن عمر إلا من حديث علقمة، ولا عن علقمة إلا من حديث محمد، ولا عن محمد إلا من حديث يحيى "
تدريب الراوي 1\ 238، وينظر: مسند البزار 1\ 381، 382.
قال الحافظ ابن حجر - بعد أن ذكر أن هذا الحديث مما تفرد به يحيى بن سعيد وكل من فوقه - قال: " وقد وردت لهم متابعات لا يعتبر بها؛ لضعفها "
نزهة النظر ص 49.
ومثل حديث: "الأعمال بالنيات" حديث "النهي عن بيع الولاء وعن هبته" وحديث: "المغفر"، فقد وردت لهما طرق لم يعتد بها الأئمة؛ لكونها غير محفظة، ولم تخرجهما عن الغرابة والتفرد.
¥