تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالخطيب ذكر المروءة في الكفاية تبعا للباقلاني وغيره من الأصوليين كشيخه الشيرازي –وإن كان انتقد ذلك في موضع آخر كما نقله عنه الزركشي وغيره-، وزاد ابن الصلاح على ذلك التأكيد على اشتراطها بدعوى الاتفاق ونسبة هذا الرأي للمحدثين، وهو إنما ينقل عن الفقهاء والأصوليين نقلا مباشرا أو بواسطة الخطيب البغدادي، والخطيب وإن كان محدثا فإنه كثيرا ما يتبع أهل الأصول في نقله المذاهب واختياراته، وزعمنا في هذا الموضع أنه نقل المسألة عن الفقهاء والأصوليين لما سبق سياقه ولأنه نقل كثيرا من مسائل هذا النوع "معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد" من مصنفات الأصوليين، تأمل قوله في المسألة الأولى:" عدالة الراوي: تارة تثبت بتنصيص المعدلِين على عدالته، وتارة تثبت بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة، استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة عن عدالته تنصيصاً. وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي، وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه. وممن ذكر ذلك من أهل الحديث أبو بكر الخطيب الحافظ" (33).

وقال في المسألة الثالثة:" أما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرأ مبين السبب، لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح، فيطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر، فلابد من بيان سببه، لينظر فيما هو جرح أم لا. هذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله. وذكر الخطيب الحافظ: إنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل: البخاري، ومسلم، وغيرهما" (34). بل هو مذهب الأصوليين المتكلمين، فإن كتب الجرح والتعديل مليئة بالجرح المبهم الذي لم يبين سببه، والبخاري نفسه يجرح الرواة بقوله فيه نظر وسكتوا عنه!! فهل توقف أحد في جرحه أو جرح غيره، نعم علم من منهجهم أن من ثبتت عدالته لا يقبل الجرح في حقه إلا مفسرا.

وقال في المسألة الرابعة:" اختلفوا في أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لابد من اثنين". لم يختلف في ذلك أهل الحديث وإنما اختلف الفقهاء والأصوليون.

وقال في المسألة الخامسة بعدها:" إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل: فالجرح مقدم، لأن المعدِّل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل. فإن كان عدد المعدِّلين أكثر: فقد قيل: التعديل أولى. والصحيح - والذي عليه الجمهور - أن الجرح أولى، لما ذكرناه، والله أعلم" (35). الاختلاف هو اختلاف الأصوليين وليس لأهل الحديث في ذلك قاعدة مطردة بل لهم قرائن يعتمدون عليها في ترجيح التعديل أو التجريح، منها تقديم التعديل على الجرح غير المفسر.

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[14 - 02 - 08, 01:01 م]ـ

الفرع الثالث: الأدلة على عدم اشتراط المروءة في العدالة

وعلى فرض وجود اختلاف بين المحدثين في هذه القضية أو تجويز نصب الخلاف بين الأصوليين والمحدثين في هذه المسألة الحديثية، فهل الصحيح اعتبار المروءة في الرواة أم لا، الذي لا شك فيه عندي أنه لا اعتبار للمروءة في عدالة الرواة لما يأتي:

الفقرة الأولى: أن الأصل عدم اشتراط المروءة

إن الأصل في أخبار الرواة الصادقين قبول روايتهم، والأدلة الشرعية ليس فيها أكثر من اشتراط العدالة والضبط، فنبقى على هذا الأصل حتى يأتي الدليل المعتبر من نص أو اتفاق على صحة اشتراط المروءة في رواة الأخبار.

فإن قيل هذه مصادرة لأن النزاع إنما هو تحقيق معنى العدالة، قيل هو مصادرة على اصطلاحكم الحادث، أما على الاصطلاح المختار واصطلاح الأئمة المتقدمين فهما أمران مفترقان.

الفقرة الثانية: بطلان الإجماع على اشتراط المروءة في الرواة

فإن قيل دليل اشتراط المروءة في رواة الحديث هو الإجماع الذي نقله الآمدي من الأصوليين وقبله أبو الحسين البصري، وظاهر كلام ابن الصلاح أيضا يوحي بذلك (36)، كان الجواب أن في هذا النقل نظرا، فإن الباقلاني الذي كان أول من تحدث عن هذه المسألة يقول:" من علمائنا من صار إلى أن ذلك يقدح في الرواية والشهادة" (37)، والخطيب أول من تكلم عنها من المحدثين يقول:" وقد قال كثير من الناس يجب أن يكون المحدث والشاهد مجتنبين لكثير من المباحات …الخ" (38).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير