تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا حقق المسلم منزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه استحيا منه، يعني لو تصورنا أن الزاني وهو يزاول هذه الفاحشة يستحضر أن الله -جل وعلا- مطلع عليه، ما أقدم على هذه المعصية، لو استحضرنا أن المرابي وهو يعقد الصفقة يستحضر أن الله مطلع عليه وأنه يزاول حرب الله -جل وعلا- ما أقدم على هذا العمل، لكن الذي يقود إلى هذه الأمور الغفلة، والغفلة عقوبة من الله -جل وعلا-، سببها ما يغطي القلوب من غشاوة الذنوب، هذا هو الران، إذا حقق المسلم منزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه واستحيا منه، وترك ما يسخطه بل ما لا يقرب إليه، واهتم بما يقرب منه حتى تقر عينه بعبادته، ويأنس بمناجاته، ويستوحش من غيره، يعني نسمع في سير المتقدمين التلذذ بمناجاة الله، الوحشة من مجالسة المخلوقين، أظن هذا ضرب من الخيال لماذا؟ لأن الإنسان يؤدي هذه العبادة على وجه قد لا يكتب له من أجرها شيئاً، يأتي بشروطها وأركانها، لكن لا يحضر قلبه في جزء منها، مثل هذه العبادة يتلذذ بها صاحبها؟ يرتاح بها المتعبد؟ هذه الصلاة التي يكبر تكبيرة الإحرام ويسلم وما استحضر منها شيء مثل هذه العبادة يتلذذ بها صاحبها؟! يتلذذ بمناجاة ربه إذا سجد وانطرح بين يديه؟ أبداً، تجده متى ينتهي من أداء هذه العبادة الآن وجدت الساعات في جدران المساجد تجد الإنسان ينظر إليها من دخوله من تكبيره الإحرام إلى السلام وعينه في الساعة متى ينتهي؟ لماذا؟ يروح يستأنس مع فلان وعلان، عكس ما عليه سلف هذه الأمة، من أنسهم بالله وتلذذهم بمناجاته واستياحشهم من غيره، والله المستعان.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

أقول: إذا حقق المسلم منزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه واستحيا منه وترك ما يسخطه وما لا يقرب إليه واهتم بما يقرب منه حتى تقر عينه بعبادته ويأنس بمناجاة ربه ويستوحش من غيره كما حصل ذلك لسلف هذه الأمة، بخلاف من غفل عن مراقبة الله -جل وعلا- فإنه لا يتلذذ بالعبادة، بل تثقل عليه ويأنس بغيره وهذا أمر مشاهد ومجرب.

مكانة هذا الحديث عند أهل العلم:

هذا الحديث كما قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: أصل عظيم من أصول الأدب، ويعني بالأدب الأدب الشرعي، المراد بالأدب هنا الأدب الشرعي، المستمد من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بخلاف ما تعارف عليه الناس من تسمية العلم القسيم للتاريخ وغيره من العلوم بعلم الأدب الذي هو يسمى أدب درس لا أدب نفس، هذا العلم المسطر في كتب غالبها لا يسلم من قلة الأدب، بل من فقد الأدب، جل كتب الأدب -مع الأسف الشديد- لا يسلم من فقد الأدب من المجون والسخرية والاستهتار وإيراد ما ينافي الفضائل من أخبار المردان وقصصهم التي يستحي العاقل من قراءتها بمفرده فضلاً عن ذكرها وروايتها كالأغاني وغيره من الكتب التي سودت بها الصحف.

فالحديث كما قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: أصل عظيم من أصول الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح، مع الأسف الشديد أن يوجد من يروج لمثل هذا الأدب الماجن، وينعى على من يتكلم فيه، أو يهذب كتبه، نعم ينتقد بعض الأدباء المعاصرين ينتقد كتاب (زهر الآداب) للحصري، هذا الكتاب من أنظف كتب الأدب، يقول: أنه أغفل جانب مهم من جوانب الأدب من أهم جوانب الأدب الذي هو المجون، يقول: الحياة تفقد حيويتها حينما تكون أدب خالص، هذا كلام عاقل هذا؟ هذا كلام عاقل يتعامل مع نصوص الكتاب والسنة؟ هذا كلام أقل أحواله أنه سكران، أذهب إلى أبعد من ذلك فأقول: إن بعض الغي رشد، هذا أدب هذا؟ هذا سوء أدب.

فالحديث أصل عظيم من أصول الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية القيرواني في زمانه أنه قال: جماع آداب الخير وأدلته تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل: خيراً أو ليصمت)) يعني من التزم هذا الأدب يقول: خير أو يصمت، هذا يرتاح من أمور كثيرة، ويرتاح أو يسد على نفسه باب عظيم من أبواب كسب السيئات، يقول: خيراً أو ليصمت، وقوله: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) وقوله -عليه الصلاة والسلام- لمن طلب منه الوصية: ((لا تغضب)) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) والحديث منطوقه يدل على مدح ترك ما لا يعني، منطوق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير