تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مثال المخالفة: ما رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما من حديث ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عوسجة، عن ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - (أن رجلاً توفى على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولم يترك وارثاً إلى مولى له أعتقه).

وقد شارك ابن عيينة في وصله ابن جريج، ورواه حماد بن زيد مرسلاً، فلم يذكر ابن عباس، فروايته شاذة، حيث خالف من هو أوثق منه، لكثرتهم بالنسبة له، فهما اثنان، وهو واحد.

ب ـ وإن كان الراوي المتفرد خفيف الضبط، فحديث حسن، ومثاله:

ما رواه أبو داود، والترمذي وغيرهما، من حديث بهر بن حكيم، عن أبيه، عن جده 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -، قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول: (ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له).

فهذا الحديث من رواية بهز بن حكيم، وهو وإن كان ليس من الثقات الضابطين فليس من الضعفاء، ولذا قال فيه ابن حجر، كما في التقريب: صدوق.

أي بمعنى أنه عدل في دينه وأمانته، لكن حفظه ليس بتام، بل هو خفيف.

ج ـ وإن كان الراوي المتفرد ضعيفاً، فحديثه ضعيف مثله.

ومثاله: حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - مرفوعاً: (كلوا البلح بالتمر، فإن ابن آدم إذا فعل ذلك غضب الشيطان).

فهذا الحديث ضعيف، لأنه من رواية أبي زكير، وهو ممن لا يحتمل تفرده، لضعفه، فقد قال فيه ابن معين: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه.

2 ـ وأما الغريب سنداً لا متناً ـ (أي الغريب النسبي) ـ فلا حكم يخصه من هذه الجهة، فلا يكون ضعيفاً، لكونه غريباً نسبياً، وإنما ذلك باعتبار أسانيده، فقد يكون صحيحاً، وقد يكون حسناً، وقد يكون ضعيفاً.

ومن هنا أخي يمكن أن تعرف صحيح الحديث الغريب من سقيمه، وهو أنك تطبق عليه قواعد الحديث الصحيح وهي: اتصال السند، وعدالة الرواة، وضبط الرواة، والخلو من الشذوذ، والخلو من العلة. فإن توفرت هذه الشروط في حديث ما، وكان غريبا، فليُنْظَرْ هل هو شاذ أم لا؟.

والشاذ: وهو ما رواه الثقة مخالفا لرواية الثقات.

وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهو من أهمها؛ لأن الشذوذ نوع من أنواع إعلال الحديث؛ لأن له تعلقا بعلة الحديث، لكن العلماء يهتمون به؛ لأن فيه مخالفة بين الثقات.

فالشاذ: هو أن يروي الثقة ما يخالف فيه الثقات. قولنا: (الثقة). نعني به: من يقبل حديثه سواء كان ثقة أو صدوقا. يعني: راوي الحديث الحسن، أو راوي الحديث الضعيف. وقولنا: (ما يخالف الثقات). يعني: إذا روى الثقة حديثا خالف فيه جمعا من الثقات، فإننا نحكم على حديثه بأنه شاذ.

ولا نقصد أنه لا بد أن يكون المخالف قد خالف عددا، ولكن إذا خالف من هو أحفظ منه، أو أكثر عددا مع الضبط، فإنه يسمى حديثه حديثا شاذا؛ ولهذا يعبر عنه بأنه: ما رواه الثقة مخالفا من هو أوثق منه، يعني: أوثق منه عددا، أو أوثق منه حفظا؛ لأن الراوي قد يخالف غيره، لكن هذا الغير يكون واحدا، وهذا واحد مقابل واحد، فيختلفان في الحديث، أحدهما قد يكون أضبط وأحفظ، فنقدم رواية الأحفظ على رواية الذي هو أدنى منه.

ذكروا مثلا سفيان بن عيينة: إذا روى حديثا عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، من المعلوم أن سفيان بن عيينة أضبط الناس في عمرو بن دينار، فإذا روى الحديث ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، هنا وقع شذوذ من ابن جريج، ابن جريج ثقة، وسفيان بن عيينة ثقة، لكن ابن جريج خالف سفيان ابن عيينة، ابن جريج ثقة، وخالف من هو أوثق منه في عمرو بن دينار، وهو سفيان بن عيينة، فسفيان بن عيينة يقول: عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس. وابن جريج يقول: عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر. فهذا خلاف؛ لأن سفيان جعل راوي الحديث ابن عباس، وابن جريج جعله ابن عمر، فمثل رواية ابن جريج هذه تسمى "رواية شاذة" لأن ابن جريج ثقة وخالف من هو أوثق منه، وهو سفيان بن عيينة، فنقضي على حديثه بأنه حديث شاذ.

والشاذ نوع من أنواع الضعف، نوع من أنواع الضعف المتعلقة بالضبط؛ لأن راوي الحديث الشاذ وإن كان ثقة، لكنه في خصوص ذلك الحديث لم يضبطه؛ فلهذا وقعت منه المخالفة، أحيانا يخالف من هو أكثر منه عددا، إذا جاء في المثال السابق سفيان بن عيينة، وروى الحديث عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وخالفه جماعة كثير: خالفه الثوري، وابن جريج، والأوزاعي، ومعمر، فرووه عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، نقول هنا: رواية بن عيينة شاذة؛ لأنه وإن كان ثقة، إلا إنه خالف من هو أكثر منه عددًا، لكن لا بد أن يكون هذا العدد الأكثر -لا بد أن يكون- عندهم حفظ، أما إذا كانوا ضعفاء، فإن روايتهم لا ترجح على رواية الثقات، فمثل هؤلاء إذا جاءوا، مثل: الثوري والأوزاعي وابن جريج، فرووا حديثا، نسمي حديث سفيان حينئذ شاذا؛ لأنه خالف من هو أكثر من عددا مع اتصافهم بالحفظ، فهنا ليس واحد مقابلا للواحد، وإنما هو واحد مقابل للجماعة، هذا هو معنى الحديث الشاذ.

بعد ذلك نقول: إن الشاذ يقابله المحفوظ، الرواية المرجوحة تسمى رواية شاذة، والرواية الأخرى تسمى رواية محفوظة، فعندنا لما اختلف ابن عيينة مع ابن جريج، ورجحنا رواية ابن عيينة، نسمي رواية ابن عيينة الرواية المحفوظة، أو الحديث المحفوظ، ونسمي رواية ابن جريج الرواية الشاذة، لما رجحنا رواية الأكثر على رواية ابن عيينة، نسمي رواية الأكثر هي المحفوظة، ورواية ابن عيينة هي الشاذة، فالشاذ يكون مقابلا للمحفوظ.

وعلى هذا، فإذا سلم الحديث من الشذوذ وتوفرت فيه شروط الصحيح الخمسة التي ذكرناها، نسمي هذا الحديث صحيحا ووجب العمل به والإذعان له.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير