تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلقد اصطفى الله تعالى هذه الأمة، إذ شرفها بأن اختار لها هذا الدين القويم، وجعل أساسها المشيد وركنها الركين ((كتابه العزيز))، وهيَّأ هذه الأمة لتضطلع بتلك المهمة، ألا وهي حفظ هذا الكتاب الذي تعهد الله تبارك وتعالى سلفاً بحفظه، فقال: ((إنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحافِظونَ))، فرزقها جودة الفهم وقوة الحافظة، ووفور الذهن، فلم يتمكن أحد – بحمد الله – من أنْ يجرأ فيزيد أو ينقص حرفاً أو حركةً من القرآن الكريم.

ولما تعهد الله تعالى بحفظ القرآن الكريم، كان مما احتواه هذا العهد ضمناً حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك حفظ أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم بأسانيدها فكان الإسناد أحد الخصائص التي اختص الله تعالى بها أمة صفيِّه صلى الله عليه وسلم.

ولقد أدرك الصدر الأول أهمية ذلك، فروى الإمام مسلم (2) وغيره عن محمد بن سيرين أنه قال: ((إنَّ هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم)) وروى أيضاً (3) عنه أنه قال: ((لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)).

ومن ثم افتقر الأمر إلى معرفة ضبط الراوي وصدقه، فكانت الحاجة ماسةً إلى استكمال هذا الأمر، فكان نشوء ((علم الجرح والتعديل)) أو ((علم الرجال)).

وعلى الرغم من أنْ هذا العلم لم يكن فجائي الظهور، إلا أنَّه لا مناص من القول بأنَّه كان مبكر الظهور جداً، وينجلي ذلك مما نقلناه سالفاً عن ابن سيرين. ولقد كان المسلمون مطمئنين إلى أنَّ الله تعالى يهيئ لهذا الأمر من يقوم به ويتحمل أعباء هذه المهمة الجسيمة، فقد أسند ابن عدي في مقدمة الكامل (4)، وابن الجوزي في مقدمة الموضوعات (5) أنه قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة، ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)).

ولم يخلُ عصر من العصور من إمام يقوم بواجب هذه الصنعة، إلا أنَّ المنهج – وكما يعرفه المختصون – اختلف من المتقدمين إلى المتأخرين. فبعد أنْ كان عند المتقدمين قائماً على الاجتهاد والأصالة والسبر والاستقراء، أصبح عند المتأخرين قائماً على الترتيب والجمع والتصنيف، ومن خلال التطور الزمني للتصنيف في علم الجرح والتعديل، كان " الكمال في أسماء الرجال " (6) للحافظ عبد الغني المقدسي أحد حلقات تطوره، والذي نال من الاهتمام ما لا ينكره عاقل، ومن ثم تكاثرت فروعه، فكان أحد تلك الفروع كتاب: " تقريب التهذيب " لحافظ عصره بلا مدافع، وإمام وقته بلا منازع أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني – رحمه الله تعالى -.

وقد برزت في هذا الكتاب – كما في غيره من كتبه – شخصية الحافظ الناقد الخبير البصير بمواضع الكلام، ومراتب الرواة، وعلل أحاديثهم، فكان خير تعبير عن علم جمٍّ وافر، وذوق ناقد ماهر، فلقي من القبول ما لم يكد يلقه كتاب آخر في موضوعه، ولم يجرأ أحد من الناس على رد أحكام الحافظ – بل: غاية ما كان استدراكات لا يخلو عملٌ بشريٌّ من العوز لها – منذ تأليفه في النصف الأول من القرن التاسع الهجري حتى وقت قريب.

وبينما المسلمون اليوم يعيشون بين صفعة حاقد، وزمجرة جامد، وتسلط كاسد، ظهر في أسواقهم كتاب أسماه مؤلفاه الاستاذ الدكتور بشار عواد معروف والشيخ شعيب الأرنؤوط: " تحرير تقريب التهذيب "، ادعيا فيه تعقب الحافظ في أحكامه، وأنه أخطأ في خمس الكتاب، ولم يكن صاحب منهج و … و … و …، مما وصفا الحافظ من أوصاف شديدة.

ومن هنا أخذت على عاتقي التصدي لهذا الكتاب، وبيان ما فيه من زيف وزلل وخطأ ووهم، وليس تجمعني والمؤلفَينِ كراهةٌ، لكن مقالة الحق لا تبقي لصاحبٍ صاحباً، وتدخلك مع من لست تعرف في غير صحبة ودٍّ، ولكن كثرةُ الدعاء لهما بالسداد وحسن الخاتمة كان ديدني طوال صحبتي لهما في كتابة هذا العمل، وكل يؤخذ منه ويردُّ عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير