تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا أقيس مالكاً إِلَى الْزُّهْرِيّ، ولا أقيس الْزُّهْرِيَّ إِلَى سَعِيد بن الْمُسَيَّب (1).

ونحن ننتفع بهذا أنَّه من الصعوبة - وربما من المستحيل - أنْ يبرز أحدٌ في علل الحديث كما برز أولئك الأئمة المتقدمون، لكنَّ الله أمرنا بالاجتهاد والتعلم وأنْ نجدَّ في تحصيل العلوم حتى إذا لم نبلغ تلك المراتب العالية، فعلى طالب العلم أنْ يسدد ويقارب.

إذن لا بد لرجل العلل أنْ يعرف مصطلحات علماء الحديث - بالجملة - ومناهج أئمة العلل وطرائقهم في هذا الفن، مع ضرورة إدمان النظر في كتب العلل مع جودة الفهم، وترداد المقروء مع دِقَّة تامة في النظر والتطبيق العملي المستمر، وحفظ الرجال الذين تدور عليهم الأسانيد، ومراتب الرواة وطبقاتهم، ومعرفة الأسانيد الصحيحة والمعلة، وقرائن الترجيح وطرقه، ومعرفة الثقات من الضعفاء، ومعرفة مواليدهم ووفياتهم وبلدانهم، ومعرفة المكثرين من رواة الحديث و معرفة مراتب أصحابهم فيهم، كأصحاب الزهري وقتادة ونحوهما من المكثرين، ومعرفة أشهر الأسانيد، ومعرفة المدلسين والمختلطين، ومعرفة المنقطع من الأسانيد. حتى يكون من العارفين بعلل الحديث حسن الترجيح لدى الاختلاف.

..............

"كيف نقرب علم العلل". د علي الصياح، مجلة البيان: 9 العدد (206).

.................................................. .........

ثم لا بد من الصبر والجَلَد، وطول النَفَس في البحث والتفتيش واستنفاد الوسع مع

الإنصاف والعدل والفِطنة والذكاء وإظهار الذل والافتقار والإلحاح بالدعاء وصدق اللجأ إلى الله، قال الحافظ الذهبي: ((قال محمد بن بَرَكة الحلبي: سمعتُ عثمان بن خُرَّزاذ يقول: يحتاج صاحب الحديث إلى خمس، فإن عدمتْ واحدةٌ فهي نقصٌ: يحتاج إلى عقلٍ جيدٍ، ودينٍ، وضبطٍ، وحذاقة بالصناعة، مع أمانة تعرف منه. قلت – القائل: الذهبي -: الأمانةُ جزء من الدِّين، والضبطُ داخلٌ في الحذقِ فالذي يحتاج إليه الحافظ أن يكون تقياً، ذكياً، نحوياً، لغوياً، زكياً، حيياً، سَلَفياً، يكفيه أن يكتب بيده مئتي مجلد، ويُحصِّل من الدواوين المعتبرة خمس مئة مجلدٍ، وأن لا يفتر من طلب العلم إلى الممات، بنيةٍ خالصةٍ وتواضعٍ، وإلّا فلا يتعنَّ)) (1) وقال ابنُ القيِّم رحمه الله: ((ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أنْ ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي لا العلمي المجرد إلى مُلهم الصواب، ومعلم الخير، وهادي القلوب، أنْ يلهمه الصواب، ويفتح له طريق السداد، ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة، فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق، وما أجدر مَنْ أمَّل فضلَ ربه أنْ لا يحرمه إياه، فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائعُ بشرى التوفيق، فعليه أنْ يوجه وجهه ويحدق نظره إلى منبع الهدى، ومعدن الصواب ومطلع الرشد، وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة، فيستفرغ وسعه في تعرف حكم تلك النازلة منها، فإنْ ظفر بذلك أخبر به، وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار، والإكثار من ذكر الله، فإنَّ العلم نورُ الله يقذفه في قلب عبده، والهوى والمعصية رياحٌ عاصفةٌ تطفئ ذلك النور أو تكاد، ولا بد أنْ تضعفه (2). وشهدتُ شيخَ الإسلام - قدّس الله روحه - إذا أعيته المسائل واستصعبتْ عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار، والاستغاثة بالله واللَجأ إليه، واستنزال الصواب منْ عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته. فقلما يلبث المدد الإلهي أنْ يتتابع عليه مداً، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهنَّ يبدأ، ولا ريب أنَّ من وفق هذا الافتقار علماً وحالاً، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أعطي حظه من التوفيق، ومنْ حرمه فقد منع الطريق والرفيق، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق، فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضلُ الله يؤتيه منْ يشاء، والله ذو الفضل العظيم)) (3).

.....................

(1) " سير أعلام النبلاء" 13/ 380.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير