تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إنَّ صعوبة تحصيل صفات رجل العلل أمر قد جعل هذا العلم خفيّاً على كثيرين، بل خَفِيَ على أكثر أهل الحديث خاصة فضلاً عن غيرهم، قال ابن كثير: ((وَهُوَ فَنٌّ خَفِيٌّ 0 (2) عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيثِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ حُفَّاظِهِم: مَعْرِفَتُنَا بِهَذَا كِهَانَةٌ عِنْدَ الجَاهِلِ (3). وَإِنَّمَا يَهْتَدِي إِلَى تَحْقِيقِ هَذَا الفَنِّ الجَهَابِذَةُ النُّقَّادُ مِنْهُمْ، يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَحِيحِ الحَدِيثِ وَسَقِيمِهِ، وَمُعْوَجِّهِ وَمُسْتَقِيمِهِ، كَمَا يُمَيِّزُ الصَّيْرَفِيُّ البَصِيرُ بِصِنَاعَتِهِ بَيْنَ الجِيَادِ وَالزُّيُوفِ، وَالدَّنَانِيرِ وَالفُلُوسِ فَكَمَا لاَ يَتَمَارَى هَذَا، كَذَلِكَ يَقْطَعُ ذَاكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ، بِحَسَبِ مَرَاتِبِ عُلُومِهِمْ وَحذقهِمْ وَاطِّلاَعِهِمْ عَلَى طُرُقِ الحَدِيثِ، وَذَوْقِهِمْ حَلاَوَةَ عِبَارَاتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم التِي لاَ يُشْبِهُهَا غَيْرُهَا مِنْ ألفَاظِ النَّاسِ)) (4).

.......................

(1) "نزهة النظر": 72، وهذا النص مقتبس من كلام العلائي وهو في " النكت " 2/ 711 و:485 و 2/ 777 و:543 بتحقيقي على أنه في الموضع الأول لم ينبه، وفي الثاني نسبه للعلائي.

(2) كلمة (خفي) مرفوعة على أنها اسم، وهي خبر ثانٍ أو صفة على خلاف بين البصريين والكوفيين، وهكذا جاءت الكلمة مجودة الضبط في نسختنا الخطية المصورة عن الأصل المحفوظ في الدار العراقية للمخطوطات رقم (14081)، وهي نسخة متقنة عليها خط ابن كثير – رحمه الله – وقد أخطأ علي الحلبي فضبطها في نشرته لكتاب "الباعث الحثيث" 1/ 196 هكذا: ((خَِفيَ)) على أنها فعل، وما ذكر من أنها اسم أبلغ، فالجملة التي مستندها اسم تدل على الثبوت، والجملة التي مستندها الفعل تدل على التجدد. انظر: "معاني النحو" 1/ 15.

(3) وليس معنى هذا أنَّ علم الحديث مبنيٌّ على غير قواعد، لا. بل إنَّ هذا العلم من أكثر العلوم تأصيلاً و أعظمها تقعيداً، ولكن لصعوبة هذا الفن وشدته على غير أهله قيل ذلك. وأصل هذا الكلام هو ما أسنده ابن أبي حاتم في مقدمة العلل 1/ 389ط. الحميد إلى عبد الرحمان بن مهدي قال: ((إنكارنا الحديث عند الجهال كهانةٌ) وأسند عنه أيضاً وقال: ((معرفة الحديث إلهامٌ))، وهذان النصان في كتاب "جامع العلوم والحكم" 2/ 133 ط. العراقية بتحقيقي و: 579 ط.ابن كثير بتحقيقي أيضاً). وليس معنى هذا على الحقيقة فإنمَّا هذا الخطاب يخاطب به من لا يحسن صنعة الحديث، ولا يدرك أغوار أسراره. وهذا الخطاب أيضاً للمبتدئ حتى يعرف صعوبة الفن ودقته ليأخذ الطالب بأسبابه، قال الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " 2/ 382: ((علمٌ يخلقه الله تعالى في القلوب بعد طول الممارسة له، والاعتناء به)). وقد أجاد أخي الحبيب الدكتور علي الصياح معلقاً على قولي ابن مهدي: ((ربما يفهم من بعض الأقوال المتقدمة أنَّ علم العلل يحصل في القلب من فراغ بدون عمل ولا طلب، وهذا الفهم غير مراد قطعاً، لكن لما كان علم العلل خفياً ودقيقاً وبحاجة إلى كثرة طلب، وسعة حفظ، وجودة فكر ودقة نظر وتوفيق من الله أولاً وآخراً – هو ما توافر لأولئك النقاد – أصبح عند من لا يحسنه نوعاً من الكهانة والإلهام)). "كيف نقرب علم العلل". مجلة البيان: 6 العدد (203).

(4) "اختصار علوم الحديث": 149 بتحقيقي.

.................................................. ..........................................

ونحن حين نتحدث عن صفات المُعلل لابد أنْ نقدر لكل أهل زمان طاقتهم ومقدرتهم فلكل زمان قومه، ولابد من التنبيه إلى ما أشار إليه الحافظ المتقن عَلِيُّ بن الْمَدِينِيّ قال: لا يقاس الرجل إلا بأقرانه وأهل زمانه؛ فلقد قُلْتُ مَرّةً: سَعِيدُ أَعْلَم من حَمَّاد بن زَيْد، فبلغ ذَلِكَ يَحْيَى بن سَعِيد، فشق ذَلِكَ عليه؛ لئلا يقاس الرجل بمن هو أرفع منه لا يَقُول: سُفْيَانُ أَعْلَم من الشعبي، وأيُّ شيء كَانَ عند الشعبي مما عند سُفْيَان؟ وقيل لعلي بن الْمَدِينِيّ: إنَّ إنساناً قَالَ: إنَّ مالكاً أفقه من الْزُّهْرِيّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أنا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير