سبق أن قلنا أن الحافظ ابن حجر عرَّفَ بعصر كل راوٍ، إذ قسم الرواة على طبقات، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في المقدمة: (( ... بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً، يجمع اسم الرجل ... ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم، بحيث يكون قائماً مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يؤمن لبسه.
وباعتبار ما ذكرت انحصر لي ... طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة ...
وأما الطبقات: فالأولى: الصحابة ... ، الثانية: طبقة كبار التابعين ... الثالثة: الطبقة الوسطى من التابعين ... ، الرابعة: طبقة تليها، جل روايتهم عن كبار التابعين ... ، الخامسة: الطبقة الصغرى منهم ... ، السادسة: طبقة عاصروا الخامسة؛ لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة … السابعة: كبار أتباع التابعين …، الثامنة: الطبقة الوسطى منهم …، التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين … العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلقَ التابعين. الحادي عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك. الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الأتباع كالترمذي، وألحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة الذين تأخرت وفاتهم قليلاً …
وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، فإن كان من الأولى والثانية: فهم قبل المائة، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة: فهم بعد المائة، وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات: فهم بعد المائتين، ومن ندر عن ذلك بيَّنته)).
وخلاصة ذلك (من هنا إلى آخر الكلام عن الطبقات بحروفه من تعليقات الشيخ محمد عوامة في دراساته للتقريب: (42 – 44)، وقد سماه: الجانب الرابع: بيان مراده من الطبقة):
1 - بيَّن الباعث له على هذا الاصطلاح الخاص بكتابه هذا – وهو الطبقات – أنه أراد استدراك ما حذفه من تسمية شيوخ المترجم والرواة عنه، فإنه بهذا التحديد الزمني يقرِّب للباحث أن هذا المترجم هو مراده لا غيره.
وهو استدراك جيد بديع؛ ولكنه نبَّه إلى أن تحديد الطبقة يفيد غالباً – لا دائماً – فاستدرك وقال لبيان الأغلبية: ((إلا من لا يؤمن لبسه)).
2 - ثم بيَّن أنه:
- جعل الصحابة طبقة واحدة على اختلاف طبقاتهم.
- وجعل للتابعين خمس طبقات: كبرى، ووسطى، وملحقة بها وصغرى، وملحقة بها.
- وجعل لأتباع التابعين ثلاث طبقات: كبرى، ووسطى، وصغرى.
- ولأتباعهم ثلاث طبقات أخرى: كبرى، ووسطى، وصغرى، وألحق بالصغرى نفراً قليلاً من شيوخ بعض الأئمة، كبعض شيوخ النسائي فلقلة عددهم لم يفردهم بطبقة خاصة بهم.
3 - ثم بين مصطلحه في الوفيات: فمن كانت وفاته خلال القرن الأول قال عنه: من الثانية، ولا ينسب أحداً إلى الأولى، فإن أهلها من الصحابة وهو يستغني بوصفهم بالصحبة عن تحديد طبقتهم وقوله عنهم: من الأولى.
ومن كانت وفاته في المائة الثانية: وصفه بما يليق به: من الثالثة، من الرابعة … من الثامنة، ولا يزيد.
ومن كانت وفاته بعد المائتين: فهو من التاسعة فما بعدها إلى الثانية عشرة.
ثم قال: ((ومن ندر عن ذلك بينته)) وهو شامل:
- لمن تأخرت وفاته عن المائة قليلاً أو المائتين، وهو ملحق بمن دونها.
- مثال ذلك: أبو الطفيل عامر بن واثلة، آخر الصحابة وفاة، وكانت وفاته سنة (110 هـ)، أي جاوز المائة، ورسم ما مضى يقضي أن يكون من الثالثة، مع أنه صحابي من أهل الطبقة الأولى.
- ولمن تقدمت وفاته على المائة والمائتين، وهو ملحق بمن بعدها.
مثال ذلك: عروة بن الزبير: ((من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح))، فكونه ((من الثالثة)) يقتضي أنه توفي بعد المائة وإلا خالف الاصطلاح فاقتضى البيان والاستثناء؛ لذلك قال: ((ومن ندر عن ذلك بينته)).
وهنا لا بد من بيان معنى الطبقة عند ابن حجر في كتابه " تقريب التهذيب " إذ أن مصطلحه كان مثار انتقاده ممن غفل عنه.
تقدم أنه جعل للمائة الأولى طبقتين: الأولى والثانية، وللمائة الثانية ست طبقات: من الثالثة إلى آخر الثامنة، وللمائة الثالثة أربع طبقات: من التاسعة إلى آخر الثانية عشرة.
فيكون قد توسع في القدر الزمني لرجال المائة الأولى، وتوسط في المائة الثالثة وضيَّق المسافة الزمنية لكل طبقة من أهل المائة الثانية.
¥