وقد ذهب بعض أهل العلم إلى رد الحديث من هذا الطريق، فقال البيهقيُّ 2/ 100: ((كذا قال، والمشهور عن مصعب، عن أبيه حديث نسخ التطبيق، والله أعلم))، وقال الحازميُّ في " الاعتبار ": 122: ((وأما حديث سعد ففي إسناده مقال، ولو كان محفوظاً لدل على النسخ، غير أنَّ المحفوظ عن مصعب، عن أبيه حديث نسخ التطبيق، والله أعلم. وفي الباب أحاديث تشيده))، وذكرَ ابن القيم في " زاد المعاد " 1/ 220 للحديث علتين فذكر في الأولى: تضعيفاً ليحيى بن سلمة، وقال: ((الثانية: أنَّ المحفوظ من رواية مصعب بن سعد، عن أبيه هذا، إنَّما هو قصة التطبيق، وقول سعدٍ كُنَّا نصنع هذا، فأمرنا أنْ نضع أيدينا على الركب))، وقال ابن حجر في " فتح الباري " 2/ 376 عقب (805): ((وهذا لو صح لكان قاطعاً للنزاع، ولكنَّه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل، عن أبيه وهما ضعيفان)).
كما رويت آثار عديدة في هذا الباب.
فقد أخرج: عبد الرزاق (2955)، وابن أبي شيبة (2715) من طريق الأعمش، عن إبراهيم: أنَّ عمرَ كانَ يضعُ ركبتيه قبلَ يديه.
وهذا إسناد منقطع؛ إبراهيم لم يسمع من عمر شيئاً، فقد نقل ابن أبي حاتم في " المراسيل " (23) عن أبي زرعة و (24) عن أبيه أنَّهما قالا: ((إبراهيم النخعيُّ عن عمر مرسل)).
وأخرجه: ابن أبي شيبة (2716) من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود: أنَّ عمر كان يقع على ركبتيه.
وهذا إسناد متصل بثقات، فقد ذكر ابن أبي خيثمة في " تاريخه " (3834) و (3860) عن عبد الرحمان بن الأسود، عن أبيه، قال: حججت مع أبي بكر وعمر وعثمان فجردوا الحج.
وأخرجه: الطحاوي في " شرح المعاني " 1/ 332 وفي ط. العلمية (1490) من طريق الأعمش، قال: حدثني إبراهيم، عن أصحاب عبد الله: علقمة والأسود، فقالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنَّه خَرَّ بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه.
مما تقدم يتبين أنَّ الأعمش رواه على ثلاثة أوجه، فجعل في الأول الراوي إبراهيم، وفي الثاني إبراهيم والأسود، وفي الثالث إبراهيم، عن أصحاب عبد الله علقمة والأسود، وهذا يثير في النفس أنْ يكون الأعمش لم يضبط هذه الآثار، وقد يقول قائل: إنَّ هذا اضطراب.
إلا أنَّ مما يبعد أنَّ يكون الأعمش قد اضطرب في هذا الحديث، أنَّ روايات الأعمش كانت عن إبراهيم – وهو النخعي - وعلقمة والأسود وهؤلاء كوفيون، والأعمش كذلك كوفي، وأهل البلد أعرف بحديث بلدهم.
وأخرج: عبد الرزاق (2956)، وابن أبي شيبة (2719)، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1/ 332 وفي ط. العلمية (1492) أنَّ إبراهيم سُئل عن الرجل يضع يديه قبل ركبتيه؟ فكره ذلك، وقال: هل يفعله إلا مجنون؟.
وبعد هذه الدراسة المستفيضة ظهر أنَّ أدلة من قال بوضع الركبتين أولاً أقوى، وإنْ كان النووي قال في " شرح المهذب " 3/ 274: ((ولا يظهر ترجيح أحد المذهبين من حيث السنة)).
المصدر: http://www.hadiith.net/montada/showthread.php?p=37023#post37023
ـ[ماهر]ــــــــ[17 - 10 - 08, 06:48 ص]ـ
شيخنا ماهر الفحل أرجو أن تكون في صحة وعافية.لي سؤال بارك الله فيكم .. ما الفرق بين اعتضاد القوة واعتضاد الدلالة؟
الجواب:
نعم هناك فرق بين الأمرين، فإن التقوية تكون للحديث، وقد تكون لمعنى الحديث، فإذا كانت التقوية للحديث فمعناه أن الحديث يصلح للاعتضاد فيتقوى بغيره فإذا جاءه متابع أو شاهد معتبر ارتقى الحديث من الضعف إلى القبول، وقد يكون الحديث ضعيفاً لا يصلح للاعتار ولكن يرد في المعنى أحاديث صحيحة فيكون الاعتبار للمعنى فيصح المعنى ولا يصح الحديث، ومن ذلك تدرك خطأ صنيع السخاوي في المقاصد الحسنة حينما يسوق الحديث الواهي ويستشهد له بالقرآن فإنما هو أشار إلى المعنى وليس إلى تقوية الحديث وبعضهم يختلط عليه الأمر فيظن التقوية.
وكما حصل للعلامة العثيمين - يرحمه الله- فقد صحح زيادة: ((إنك لا تختلف الميعاد)) في حديث جابر وكان مما استدل به قوله تعالى: ((إنك لا تختلف الميعاد)).
والترمذي يكثر من هذا الصنيع فأحياناً يسوق حديث المتروك وشديد الضعف ثم يشير إلى أحاديث الباب، إشارة إلى قوة المعنى وليس تقوية للحديث، والله أعلم.
¥