سمع هذا الحديث من ابن عباس، عبد الرحمن بن وعلة، وعليه مدار الطرق كلها.
وسمعه من ابن وعلة غير واحد من أهل الحديث، منهم: زيد بن أسلم، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني، ويحيى بن سعيد الأنصاري.
أما زيد بن أسلم، فقد رواه عنه: ابن عيينة، ومالك، وهشام بن سعد، والثوري، وسليمان بن بلال.
أما طريق ابن عيينة، رواها الشافعي، في مسنده.
عنه عن زيد أنه سمع ابن وعلة، سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- سمع النبي يقول: "أيما إهاب ... " الحديث (2).
قلت: وكل من رواه من طريق "ابن عيينة" رواه بلفظ "أيما"، وهم: مسلم، ولم يذكر لفظه، وإنما قال بعد أن أخرجه:
بمثله، أي بمثل حديث يحيى بن يحيى عن سليمان بن بلال، التي رواها أولاً وهي بلفظ "إذا دبغ الإهاب ... " (1).
والترمذي (2)، والنسائي (3)، وابن ماجة (4) كلهم من طُرقٍ عن ابن عيينة، عن زيد، بمثل.
وأحمد (5) عن ابن عيينة، به، مثله.
وأبو عوانة (6) من طرق عن ابن عيينة، به، مثله.
وأما رواية مالك أخرجها الإمام الشافعي عنه عن زيد بن أسلم به، بلفظ "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" (7).
وأخرجها الإمام مالك في الموطأ (8).
وأما رواية الثوري أخرجها أبو داود، عنه، عن زيد، به، مثل رواية مالك (9).
وأما رواية سليمان بن بلال، أخرجها مسلم من طريق يحيى بن يحيى، عن سليمان، به، مثل رواية مالك (1).
أما رواية أبي الخير مرثد بن عبد الله، أخرجها مسلم، ولها قصة من طرق عن أبي الخير، عن ابن وعلة، به، بلفظ "دباغه طهوره" (2).
والنسائي (3)، وله قصة أيضاً.
وأبو عوانة (4)، وله قصة أيضاً.
وأما رواية يحيى بن سعيد، أخرجها أبو عوانة من طرق، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن وعلة، به، بلفظ "أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طهر"، وله قصة (5).
قلت: في هذا الحديث أمران:
الأمر الأول: أن هذا الحديث رواه ابن عيينة، بلفظ "أيما إهاب"، و"أيما" من ألفاظ العموم، فهو يقتضي أنّ أيّ جلدٍ دبغ، فقد طهر.
أما مالك، وغيره، فقد رواه، بلفظ "إذا دبغ الإهاب".
وهذه الرواية تختلف عن الرواية الأولى، كما هو واضح.
الأمر الثاني: أن كل من أخرج هذا الحديث، أخرجه من طريق "عبدالرحمن بن وَعْلة"، فهو مدار الحديث.
وهذه الطرق رواتها ثقات ما عدا "ابن وعلة" فقد تُكلم فيه، وهو من رجال مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ولخص الحافظ ابن حجر حاله، كما في التقريب، بأنه "صدوق" (1).
وعليه يكون هذا الحديث، بهذا الإسناد، حسناً لذاته، لكن له شواهد تقويه - كما سيأتي بعد قليل - فيكون صحيحاً لغيره، والله أعلم.
وقد جاء لحديث ابن عباس هذا، عدةُ شواهد، منها حديثُ ابن عمر، وعائشة، وسلمة بن المحبّق.
*أما حديث ابن عمر، أخرجه الدارقطني: "عن أبي بكر النيسابوري قال: حدثنا محمد بن عقيل بن خويلد قال: حدثنا حفص بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: "أيما إهاب دبغ، فقد طهر" ثم قال: إسناده حسن (2).
الخاتمة
بعد هذه الدراسة توصلتُ إلى ما يلي:
1 - الدقة والتحري عند سلفنا الصالح في النقل وفي الفهم.
2 - أهمية معرفة علوم الحديث، لكي يميز الباحث الحديث الصحيح عن غيره.
3 - على كل من يشتغل بالفقه أن يكون ملماً بالسنة وعلومها؛ لكي تكون فتواه على وفق النصوص.
4 - الأحاديث المتعلقة بجلود الميتة كانت تدور حول ثلاثة أمور، كما مر بنا.
5 - حديث ابن عكيم لا يساوي الأحاديث المبيحة، من حيث الصحة والقوة.
6 - الرأي الراجح من مذاهب العلماء جواز الانتفاع بجلود الميتة، بعد دبغها، عدا جلد الكلب والخنزير.
7 - جواز تخصيص الكتاب بالسنة.
8 - تذكية الحيوانات غير المأكولة، كالسباع، تجعل جلودها طاهرة، ولا تحتاج إلى دباغ، عند المالكية والحنفية.
9 - الجلود المستوردة من البلاد التي لا تذبح على الطريقة الإسلامية، أو كان أهلها، وثنيين هي طاهرة بعد دباغتها، وإن كانت في الأصل، في حكم الميتة.
10 - المنظفات التي تستعمل في هذه العصور تقوم مقام القرظ؛ لأن الهدف من الدباغ إزالة العفونة وإزالة الترسبات، وهذه المنظفات تزيل ذلك على أحسن وجه.
هذا والله تعالى أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على هذا النبي الأمي، الذي أرسله الله تعالى هادياً، ومعلماً، ومشرعاً، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين.