تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(فلان .. سمع فلاناً)، فهل هذا إثبات منه لسماعه؟ أم

حكاية لما وقع في الإسناد من طريق ذلك الراوي قال:

(سمعت فلاناً) وما في معناه؟

قال البخاري في (ثعلبة بن يزيد الحماني): " سمع علياً، روى عنه حبيب بن أبي ثابت، يعد في الكوفيين، فيه نظر " (التاريخ الكبير).

فقال ابن عدي: " أما سماعه من علي، ففيه نظر، كما قال البخاري " (الكامل (2/ 323).

قلت: فهو يفسر قول البخاري أنه أراد بقوله: " فيه نظر " سماعه من علي، وهذا يعني أن البخاري لا يثبت سماعه من علي، إنما أراد بقوله: " سمع علياً " مجرد حكاية ما وقع في الإسناد.

فهذا القول إن لم يظهر جلياً أن البخاري قصد به إنشاء العبارة في تثبيت السماع من جهة نفسه، فإنه لا يصح الاستدلال به على أنه قول للبخاري، إنما العمدة حينئذ لتصحيح السماع على ثبوت الإسناد الذي حكيت فيه تلك الصيغة.

وأما مثل قول البخاري في ترجمته (عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود): " سمع أباه، قاله عبد الملك بن عمير "، فبين أن ذكر سماعه من أبيه جاء في رواية عبد الملك عنه.

وكثيراً ما يقول البخاري مثل هذا: (فلان .. سمع فلاناً .. قاله فلان).

فهذا لو حكاه إنسان أنه قول للبخاري يكون قد أخطأ عليه.

ج1ص 183، 184

أما الموضوع الثاني فقد ذكره الشيخ تحت هذا الباب قال:

تحرير القول في الرواة المسكوت عنهم

علمنا أن منهج أهل العلم بالحديث لتمييز أهلية الراوي أو عدمها فيما يرويه، هو اختبار حديثه، وهذه المنهجية كانت طريقهم لتعديل أو جرح أكثر الرواة.

فحين ترى مثلاً الإمام علي بن المديني يقول في رجل روى عنه يحيى بن أبي كثير وزيد بن أسلم: " مجهول "، بينما قال في (خالد بن سمير) ولم يرو عنه غير الأسود بن شيبان: " حسن الحديث " (شرح العلل للترمذي لابن رجب1/ 83،84)، فإنما قال " مجهول " في راو لم يتبين مما رواه منزلة حديثه، وحين تبين في الآخر ضبطه نعته بحسن حديثه.

ونحن نجد طائفة من الرواة ممن ذكروا في كتب تراجم الرواة، أو وقفنا على أسمائهم فيما رووه من الحديث، لم يؤثر عن نقاد المحدثين شيء في تعديلهم أو جرحهم، فهؤلاء يقول فيهم الواحد من المتأخرين مثلاً: (فلان ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً)، ومنهم من يجعل ذلك بمجرده سبباً لرد رواية ذلك الراوي، ومنهم من يعد سكوت الناقد عن أحدهم تعديلاً له، من جهة أنه لو وقف في أحدهم على الجرح لذكره.

وحيث إن محل ما يتعلق به المتأخرون في الغالب في الاعتداد بالسكوت عن الراوي الديوانان العظيمان في تاريخ الرواة: " التاريخ الكبير " للبخاري، و " الجرح والتعديل " لا بن أبي حاتم، فإليك تحرير القول فيهما، وخذ من ذلك أنموذجاً لغيرهما:

" التاريخ الكبير " للبخاري:

من تأمل هذا الديوان وجد أن البخاري اجتهد في استقصاء أسماء من بلغه ممن روى العلم إلى زمانه، وهو كتاب مليء بالعلم، وما يتصل منه بموضوع الجرح والتعديل، يجب أن يؤخذ بالاعتبار في شأنه ما يلي:

أولاً: لم ينص فيه على خطته، إنما تركها للناظر فيه.

ثانياً: لم يلتزم فيه ذكر التعديل في الرواة، وإنما يرد ذلك أحياناً قليلة جداً.

ثالثاً: التزم أن يذكر الجرح في المجروحين، وذلك من جهة ما يحكيه من عبارات بعض الأئمة قبله، وتارة بعبارة نفسه، وتارة بنقد رواية ذلك الراوي فيستفاد من خلال ذلك النقد جرحه عند البخاري، ولا يلزم بأنه جرح عدداً يسيراً جداً من الرواة سكت عنهم في (التاريخ) وقدح فيهم في محل آخر، فالحكم للغالب الأعم.

رابعاً: لم يجر على الجرح بالجهالة، إلا ما يمكن أن يدل عليه قوله في مواضع في الراوي: " فيه نظر "، فإن التتبع يدل على أن طائفة ممن قال فيهم البخاري ذلك هم في جملة المجهولين.

وقد قال ابن عدي: " مراد البخاري أن يذكر كل راو، وليس مراده أنه ضعيف أو غير ضعيف، وإنما يريد كثرة الأسامي " (الكامل (3/ 267).

وهذا المعنى ذكره ابن عدي فيما يزيد على ثلاثين موضعاً من " الكامل ".

وهو نص من إمام عارف ناقد، أن إدخال الراوي في " التاريخ الكبير " لا يعني بمجرده جرحاً ولا تعديلاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير