فحين ترى مثلاً الإمام علي بن المديني يقول في رجل روى عنه يحيى بن أبي كثير وزيد بن أسلم: " مجهول "، بينما قال في (خالد بن سمير) ولم يرو عنه غير الأسود بن شيبان: " حسن الحديث " (شرح العلل للترمذي لابن رجب1/ 83،84)، فإنما قال " مجهول " في راو لم يتبين مما رواه منزلة حديثه، وحين تبين في الآخر ضبطه نعته بحسن حديثه.
ونحن نجد طائفة من الرواة ممن ذكروا في كتب تراجم الرواة، أو وقفنا على أسمائهم فيما رووه من الحديث، لم يؤثر عن نقاد المحدثين شيء في تعديلهم أو جرحهم، فهؤلاء يقول فيهم الواحد من المتأخرين مثلاً: (فلان ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً)، ومنهم من يجعل ذلك بمجرده سبباً لرد رواية ذلك الراوي، ومنهم من يعد سكوت الناقد عن أحدهم تعديلاً له، من جهة أنه لو وقف في أحدهم على الجرح لذكره.
وحيث إن محل ما يتعلق به المتأخرون في الغالب في الاعتداد بالسكوت عن الراوي الديوانان العظيمان في تاريخ الرواة: " التاريخ الكبير " للبخاري، و " الجرح والتعديل " لا بن أبي حاتم، فإليك تحرير القول فيهما، وخذ من ذلك أنموذجاً لغيرهما:
" التاريخ الكبير " للبخاري:
من تأمل هذا الديوان وجد أن البخاري اجتهد في استقصاء أسماء من بلغه ممن روى العلم إلى زمانه، وهو كتاب مليء بالعلم، وما يتصل منه بموضوع الجرح والتعديل، يجب أن يؤخذ بالاعتبار في شأنه ما يلي:
أولاً: لم ينص فيه على خطته، إنما تركها للناظر فيه.
ثانياً: لم يلتزم فيه ذكر التعديل في الرواة، وإنما يرد ذلك أحياناً قليلة جداً.
ثالثاً: التزم أن يذكر الجرح في المجروحين، وذلك من جهة ما يحكيه من عبارات بعض الأئمة قبله، وتارة بعبارة نفسه، وتارة بنقد رواية ذلك الراوي فيستفاد من خلال ذلك النقد جرحه عند البخاري، ولا يلزم بأنه جرح عدداً يسيراً جداً من الرواة سكت عنهم في (التاريخ) وقدح فيهم في محل آخر، فالحكم للغالب الأعم.
رابعاً: لم يجر على الجرح بالجهالة، إلا ما يمكن أن يدل عليه قوله في مواضع في الراوي: " فيه نظر "، فإن التتبع يدل على أن طائفة ممن قال فيهم البخاري ذلك هم في جملة المجهولين.
وقد قال ابن عدي: " مراد البخاري أن يذكر كل راو، وليس مراده أنه ضعيف أو غير ضعيف، وإنما يريد كثرة الأسامي " (الكامل (3/ 267).
وهذا المعنى ذكره ابن عدي فيما يزيد على ثلاثين موضعاً من " الكامل ".
وهو نص من إمام عارف ناقد، أن إدخال الراوي في " التاريخ الكبير " لا يعني بمجرده جرحاً ولا تعديلاً.
لكن لكون البخاري قلما ترك بيان الجرح لمن هو مجروح، فلو قال قائل: من سكت عنهم البخاري فغير مجروحين عنده، وإنما هم عدول، واحتمل في القليل منهم أن لا يكونوا من المشهورين، فيلحقون بالمستورين، لكان هذا قولاً وجيهاً.
نعم، لا يصح أن يطلق بتوثيق من سكت عنه البخاري بمجرد ذلك. (ج1/ 505،506) انتهى.
-وهذه عبارة سمعتها من الشيخ وسجلتها بقلمي على الكتاب قال الشيخ" وقد ذهب من المتأخرين عبد الفتاح أبو غدة إلى أن سكوت البخاري عن الراوي تعديل له، وقدسُبق إلى هذا، لكن هذه العبارة غير مسلمة عند النقاد الكبار. وذكر الشيخ رد عداب الحمش على أبي غدة وقال هو رد علمي جيد في هذا الباب، مع أنه أغلظ العبارة في الرد ..
جزاكم الله خيرا ابا عبدالله.
ابن رجب01 - 01 - 2008 PM 01:31 رد: اود سؤال الاخوة الافاضل سلمهم الله. عن سكوت البخاري في تاريخه الكبير؟
هل من مضيف
طالب علوم الحديث17 - 01 - 2008 AM 01:28 رد: اود سؤال الاخوة الافاضل سلمهم الله. عن سكوت البخاري في تاريخه الكبير؟
نعم صدق الأخ ابن رجب //
جزاك الله خيرا يا شيخ محمد السعيدي
و آسف يا أخي ابن رجب فلم أدخل منذ فترة لذا لم أرد ..
بالنسبة لاستفسارك، للأسف ليت هذا الكتب العظيم موجود على الشبكة فقد بحثت عنه و لم أجد شيئا و نتمنى ممن يضعون الكتب على الشبكة أن يتنبهوا لهذا الكتاب و قدره فلا يوجد كتاب في حجمه يتكلم عن الحديث الحسن لذاته و لغيره حيث كل من تكلم و ألف في هذا الباب كان مجرد بحوث و إن زاد فكتاب صغير الحجم أو متوسط، و لم يصل أحد فيما أحسب و أظن إلى خمس مجلدات ضخمة في هذا الموضوع!!!
فجزا الله الشيخ خالد خير الجزاء على تحريره لهذا الباب و لهذه المسألة.
ابن رجب17 - 01 - 2008 AM 11:00 رد: اود سؤال الاخوة الافاضل سلمهم الله. عن سكوت البخاري في تاريخه الكبير؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشهري (المشاركة 75997)
جزاك الله خيرا على نقل هذا البحث المفيد ولعل في عبارة المعلمي اليماني ما يؤيد ما ذكره الشيخ الدريس، قال المعلمي في حاشيته على الفوائد المجموعة: ((إخراج البخاري الخبر في التاريخ لايفيد الخبر شيئا بل يضره فإن من شأن البخاري أن لايخرج الخبر في التاريخ إلا ليدل على وهن راويه)).، ولا أظن المعلمي يريد بـ "الوهن" الضعف الشديد، وإنما مطلق الوهن أي مطلق الضعف وهي تكاد تقابل المرتبة السادسة عند العراقي في مراتب الجرح [1] وهي مما يعتبر به. فتخريج البخاري له - على عكس كلام المعلمي - قد يكون مما يفيده من جهة أنه صالح للإعتبار، ولا يفيده شيئاً من جهة أنه لايحتج براويه.
=================
[1] انظر: فتح المغيث، ص، 293 - 295، ط. دار المنهاج.
جزاكم الله خيرا ياشيخ عبدالله ,, لكن كلام المعلمي (بل يضره) اليس في نوع من الشدة؟
¥