أيضاً فكل ما يأتيك من قبله فهو من عدوك فقد يأتي الشيطان الإنسان في صورة الحسنة ليغره ويخدعه فيجعله يزيد في العبادة ما ليس منها فيبتدع، أو يليهه بالمستحب عن الواجب أو بالمفضول عن الفاضل فلما عُلم أنه لا يأتيه منك إلا ما هو شر وأنه ليس في سابق صحيفته معك أو مع أبويك إلا أنه عدو مبين لكم وأكد ذلك في غير ما مرة أمر باتخاذه عدو، كما أمر بالاستعاذة منه بالله تعالى، ولم يكن ثمة حاجة للتنبيه على عداوته لله.
قال صاحب اللباب: إعلم أنَّ المَقْصُود من ذكر قَصَص الأنْبِيَاءِ - عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ - حصولُ العِبْرَةِ لمن يَسْمَعُهَا، فالله - تعالى - لما ذَكَرَ قصَّة آدم، وبيَّن فيها شدَّة عداوة الشَّيْطان «كما أخْرَجَ أبَوَيْكُم مِنَ الجَنَّةِ»، وذلك لأن الشَّيْطَانَ لما بلغ بكيده، ولُطْفِ وسْوَسَتِهِ إلى أن قدر على إلقاء آدم في الزّلة الموجبة لأخراجه من الجنَّة فبأن يقدر على أمثال هذه المضار في حقِّ بني آدم أولى.
أما الكفار فقد يكون في صحيفته السابقة معك ما يدعوك لحبه ووده بأن يكون أباك (كما هو حال إبراهيم عليه السلام مع أبيه وحال بعض الصحابة مع أبائهم أو أبنائهم) أو له نعمة عليك (كما هو حال موسى مع فرعون) جاء التصريح بعدواته لله قبل عدواته لك ليكون ذلك قاطعاً لك عن الاسرار بالمودة له لأنه قبل أن يكون عدوك فهو عدو لله لذلك فإن إبراهيم عليه السلام قال لأبيه لما طرده وأخرجه قال له على سابق بره به "سأستغفر لك ربي" لكن "لما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"، فإذا آمن هذا الشخص كان ولياً لله فانقلبت عداوتك له حباً وذلك أن "والمؤمنون بعضهم أولياء بعض" فكان الحاكم لك في مودة هؤلاء وبغضهم حب الله تعالى لهم أو بغضه إياهم ويشهد لذلك {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4].
ولذلك لما جاء لفظ العداوة مع المسلم ندب إلى العفو فيما بين المسلمين بعضهم مع بعض رجاء صلاح حال العدوّ ذلك أن عداوة المسلم عارضة لأغراض يمكن زوالها ولها حدود لا يخشى معها المضار الفادحة كما قال تعالى {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34].
فعداوة الشيطان لما كانت جبلّية لا يرجى زوالها مع من يعفو عنه لم يأمر الله إلا باتخاذه عدوّاً لأنه إذا لم يتخذ عدوّاً لم يراقب المسلم مكائده ومخادعته.
هذا وما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من خطأ وذلل فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
المراجع: اللباب، التحرير والتنوير، نظم الدرر، معالم التنزيل
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[13 - 01 - 08, 10:48 م]ـ
الشيخ الكريم: إبراهيم الجزائري حفظه الله
لم اعي مقصودك من احالتي على الرابط الذي تفضلت بتنبيهي بالرجوع إليه
فهلا تفضلت بمراجعته مشكوراً لترى إن كان هو ما قصدت الإشارة إليه أو لا؟
وجزاكم الله خيراً
عذرا أخي لم أقرأ السؤال جيدا
ولعل الإفادة تكون في مشاركة قادمة إن شاء الله