وأمَّا قولُ الشَّيخِ الألبانيِّ _ رحمهُ اللَّهُ _ في " السِّلْسلةِ الضَّعيفةِ " (4/ 315 _ رقم: 1834): " فالموصولُ أصحُّ "، فهو خطأٌ لِمَا وضَّحْنَاهُ آنفاً.
وجاءَ لفظُ الحديثِ عند بعضِهِم: " صاحبُ القرآنِ، يَضْرِبُ في أوَّلِهِ حتَّى يبلغَ آخرَهُ، ويَضْرِبُ في آخرِهِ حتَّى يبلغَ أوَّلَهُ، كُلَّما أَحَلَّ ارْتَحَلَ ".
أقولُ: وهو مع إرسالِهِ فيه نكارةٌ؛ لأنَّ مَدَارَهُ على صالحٍ المُرِّيِّ، وهو صالحُ بنُ بشيرٍ، وقد تقدَّم الكلامُ عليه في (ص: 17)، وبيَّنَّا أنَّه ضعيفٌ مُنْكرُ الحديثِ، وهو يروي عن قتادةَ أحاديث مناكير، أرى أنَّ هذا منها، ولم يتابعه عليه أحدٌ.
والحديثُ ضَعَّفَهُ الحافظُ أبو شَامةَ _ كما في " النَّشر في القراءات العشر " (2/ 333) _.
تَنْبيهٌ: ذَكَرَ ابنُ الجَزَريِّ في " النَّشر " (2/ 334) أنَّ أبا عمرٍو الدَّانيُّ روى الحديثَ من طريقِ سليمان بن شُعيب الكَيْسانيِّ [جاء في الأصلِ: سليمان بن سعيد الكسائي، وهو تحريفٌ]، حدَّثنا الخصيب [جاء في الأصل: الحصيب، وهو تصحيفٌ] بن ناصح، عن قتادةَ، عن زُرارة بن أوفى، عن أبي هريرةَ؛ أنَّ رجُلاً قامَ إلى النَّبيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللَّهِ تعالى؟، ... ، فذكر نحوه.
أقولُ: هذه الرِّوايةُ معلولةٌ بأمورٍ:
الأوَّلُ: أنَّ ابنَ الجَزَريِّ أوردَ هذه الرِّوايةَ مُعَلَّقةً، فَحَذَفَ إسنادها من أبي عمرٍو الدَّانيِّ إلى سليمان بن شُعيب.
الثَّاني: الخصيبُ بنُ ناصحٍ لم يذكروا في ترجمته أنَّ قتادةَ من شيوخِهِ، وذكروا صالحاً المُرِّيَّ، فلعلَّه سَقَطَ من الإسنادِ.
الثَّالثُ: الخصيبُ بنُ ناصحٍ وإنْ كان صدوقاً؛ إلاَّ أنَّ ابنَ حِبَّانَ ذكر في " الثِّقات " أنَّهُ ربَّما أخطأَ، فلعلَّ هذا من أخطائِهِ، واللَّهُ أعلمُ.
وقد وقفتُ للحديثِ على شواهدَ لاَ يَزْدادُ بها إلاَّ وَهْناً على وهنٍ:
الشَّاهدُ الأوَّلُ: حديثُ أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه: أخرجه الحاكمُ في " المستدرك " (1/ 758 _ رقم:2090) من طريقِ مقدامِ بنِ داودَ بنِ تَلِيدٍ الرُّعَيْنيِّ، حدَّثنا خالدُ بنُ نزارٍ، حدَّثني اللَّيثُ بنُ سعدٍ، حدَّثني مالكُ بنُ أنسٍ، عنِ ابنِ شهابٍ، عن الأعرجِ، عن أبي هريرةَ ? قال: قَامَ رجُلٌ إلى النَّبيِّ ? فقال: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ العملِ أفضلُ؟ _ أو أيُّ العملِ أحبُّ إلى اللَّهِ؟ _، قال: " الحَالُّ المُرْتَحِلُ، الَّذي يَفْتحُ القرآنَ ويختمه، صاحبُ القرآنِ، يَضْرِبُ من أوَّلِهِ إلى آخرِهِ، ومن آخرِهِ إلى أوَّلِهِ، كُلَّما حَلَّ ارْتَحَلَ ".
أقولُ: هذا شاهدٌ ضعيفٌ جدّاً _ إنْ لم يكنْ موضوعاً _؛ المقدامُ بنُ داودَ قال فيه النَّسائيُّ: " ليس بثقةٍ "، وقال ابنُ أبي حاتمٍ وابنُ يونس: " تكلَّموا فيه "، بل قال الذَّهبيُّ في " تلخيصِ المستدرك " _ مُعَقِّباً على الحديثِ _: " لم يتكلَّم عليه الحاكمُ، وهو موضوعٌ على سندِ الصَّحيحينِ، ومقدامٌ مُتكلَّمٌ فيه، والآفةُ منه "، قال برهانُ الدِّينِ الحَلَبيُّ _ مُعقِّباً على كلامه في " الكشف الحثيث " (ص: 428) _: " فقوله: (والآفةُ منه) يحتمل أنَّه وضعه، واللَّه أعلم ".
الشَّاهدُ الثَّاني: حديثُ أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللَّه عنه: ذكره الحافظُ الذَّهبيُّ في " ميزان الاعتدال " (1/ 316) _ مُعلَّقاً ولم يذكر من خرَّجه _ من طريق عامر بن إبراهيم، عن بِشْر بن الحسين، عنِ الزُّبيرِ، عن أنسٍ رضي اللَّه عنه؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم قال: " خيرُ الأعمالِ الحَلُّ والرِّحْلَةُ "، قيل: وما الحَلُّ والرِّحْلةُ، قال: " افْتِتَاحُ القُرآنِ وخَتْمُهُ ".
¥