تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذكر المفسرون والمؤرخون من مظاهر انسلاخ صاحب القصة عن آيات الله مظاهرته لأهل الكفر نصرتهم على المؤمنين بكل الأساليب والطرق، ولهثه خلف الشهوات وسقوطه في وحلها، بما يطول ذكره.

ولعلنا نكتفي بما ورد في القرآن من هذه القصة العجيبة , ولا نتورط في سوق الأخبار الإسرائيلية الواهية عن تفاصيلها المروية في بعض كتب التفسير والتاريخ (2).

الوقفة الثالثة: دروس وعبر.

إن تأمل هذه القصة وتدبرها يهدي المؤمن بإذن الله إلى الاعتبار والاتعاظ، إذ فيها من العبر والدروس ما يعين على الصبر والثبات على دين الله، للمسلمين عامة وللأئمة منهم خاصة، حتى يستشعر المرء دائما مكر الله فلا يأمنه أبدا {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: من الآية99] , فيوطن نفسه على موجبات السعادة و موانع الخسران وهي: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق و التواصي بالصبر، حتى يأتيه اليقين وهو على ذلك، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3].

ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة هذا الرجل ما يلي:

1 - إن من أبغض الأمور إلى الله، والموجبة لسخطه وانتقامه، كفر نعمه وعدم شكره بالقلب واللسان والفعال، و إن من أعظم النعم الإلهية والمنح الربانية التي يجب شكرها على نحو ما وصف نعمة العلم والهداية، وعلى كل من أوتيهما أن يؤدي شكرهما، فيعترف أولا بأن مسديهما هو الله وحده لا شريك له، كما أقر بذلك أمام الموحدين إبراهيم عليه السلام فيما قص عنه القرآن {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:78]، ولهج به يوسف عليه السلام {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ .. } [يوسف: من الآية101]، ثم يعمل بما أوتي من العلم، ويدعو إليه، ويصبر على الأذى فيه، ولا يكن كصاحب هذه القصة الذي أبان الله سخطه عليه وعدم رضاه بفعله بذكره سبحانه وتعالى نعمته عليه وهو إتيانه الآيات مقترنا بما قابله من الكفر المتجسد في الانسلاخ منها {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}.

2 - إن ما يقع فيه العبد من الخطأ والزلل في القول أو العمل، ثم يتوب منه ويقلع عنه، لا يوجب دوام سخط الله عليه ولا سلب نعمه إياه، فكل ابن آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون، قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 17]، وأما الفاقرة فهي الإصرار على المعصية وقصد مخالفة أوامر الله مع كون المواعظ الشرعية والكونية لائحة وناذرة، ولا يتصور صدور هذا إلا من منسلخ تماما من آيات الله، ومتبع لخطوات الشيطان، يرتع في حوشه الدنيء، ويجول بين الشبهات والشهوات لا يتقي شيئا منها ولا يذر، وهذا هو الطغيان الذي قل من يرجع إلى الاستقامة بعد بلوغه {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: من الآية176].

3 - إن ما فتن به الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها جملة مركبة من مخالفات شرعية من جهة العلم وجهة العمل، فقد انسلخ أولا من آيات الله، وقصد إلى استعمال علمه في الصد عن سبيل الله في محاولته الدعاء على موسى وجيشه بالاسم الأعظم الذي علمه الله، ثم أكل الرشاوى في دين الله، وخذلان المؤمنين وأعانة أعدائهم عليهم، بما أشار على قومه من إرسال نسائهم على بني إسرائيل تستقبلهم لإغرائهم في الفاحشة، كما ورد في بعض الروايات (3)، وكل ذلك يدل على تجرده من حلة اليقين الذي كان قد كساه الله بها، وتخليه عن الصبر الذي كان يعصمه، مما حوله عن مقام الإمامة في الدين وجعله من علماء السوء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير