تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - إن الذي يقدح في يقين العالم أو ينقص من صبره قد ينبع من مصادر خارجية تغزوا عقيدته و التزامه بطاعة الله، كأن يستفز لاستخدام علمه فيما لا يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو يطلب منه عملا ينصر به باطلا أو يخذل به حقا، وحينئذ يتميز أهل الصبر واليقين عن أهل الرقة في الدين، لما يثبت الله أولئك بإيمانهم وصبرهم فلا تنطق ألسنتهم إلا بالحق، ولا تبطش جوارحهم إلا بالحق، و يخذل أولئك بجهلهم وخفتهم فيتأولون في قول الباطل، وفعل الباطل، ونصرة الباطل، ويتدرجون في ذلك حتى إذا رسخت أقدامهم في الشر صاروا في حزب الشيطان.

5 - إن أكبر نقيض لليقين هو الكفر والتكذيب بآيات الله تعالى، كما أن أعظم مانع من الصبر هو الظلم سواء كان للنفس أو للغير أو لهما معا، و على دركاتهما ينحدر المترشح للإمامة إلى أسفل السافلين قال تعالى: {سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:177]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: من الآية44]، وقال أيضا: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: من الآية45]، وقال أيضا: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: من الآية47].

وينبغي أن يعلم أنه كما لليقين والصبر فروع فكذلك للكفر والظلم فروع، ومن فروع الكفر التلبث بالتكذيب أو الشك بشيء من دين الله تعالى، أو الابتداع في الدين ما ليس منه، أو الإنكار لشيء من السنة أو معارضته بالأهواء، وغير ذلك مما يبتلى به بعض المنتسبة إلى العلم والإمامة في الدين، وأما فروع الظلم فمنها سائر المعاصي سواء ما كان منها من أعمال القلوب كالحسد والحقد والرياء والسمعة، أو ما كان من أعمال الجوارح كالكذب والنميمة والغيبة وأكل أموال الناس بالباطل، والجور في الحكم بينهم، وغيرها مما يوقع الإنسان في ظلم ربه وظلم نفسه وظلم إخوانه.

6 - لا شك أن حور طائفة من أئمة الدين بعد كورهم، وانتكاستهم بعد استقامتهم، وتحالفهم مع دعاة الضلالة وهجرهم لأهل الحق، لمما يبعث في نفوس المسلمين الخوف والحزن، بل قد يسبب تارة انهزام المجاهدين والدعاة ولو إلى حين، نظرا لقوة تأثير أئمة الضلال في مصائر الأمم عبر تاريخ البشرية الطويل، غير أن للحق جولة وصولة، و لبني هارون نجدة وعودة (4)، تهيئ لها صحوة إيمانية علمية ينصر الله بها دينه وأولياءه، ويخذل بها الباطل وأهله، فيبعث من أهل الصبر واليقين من يجدد الدين، ويحمي ديار المسلمين.

خلاصة القول ومسك الختام:

إن درجة الإمامة في الدين ليست رتبة لازمة وصفة أبدية، لا ينزل عنها المرء أو يتحول، بل إنها نتيجة لاستفاء شروط معينة، يلزم من عدمها العدم، ولا يلزم من وجودها وجود ولا عدم لذاتها، حتى إن بعض أهل العلم تخيل وافترض خلو الزمان من أئمة الدين باندراس العلم ثم تعذر العمل بأصول الدين وفروعه، ولذلك نجد في القرآن والسنة وكتب التاريخ والسير أخبار الأئمة الظلمة وعواقبهم السيئة، وسير علماء السوء الذين انسلخوا من آيات الله، ولم يحملوا ما حملوا من الكتاب، وما ضرب لهم من أمثال بأخس الكائنات.

كما نجد في كتب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية مباحث عن عزل الأئمة ومحاسبتهم، وهو حق للرعية يمارسها عند الاقتضاء، وأحكام الخروج على الولاة الكفرة عند توفر القدرة وأمن الفتنة، مما يدل على وجوب الصبر على استدامة الشروط الشرعية لأهلية الإمامة في الدين، وذلك بمجانبة كل ما من شأنه أن يخل بواحد من الأصلين العظيمين اليقين والصبر، أو بهما معا، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]، وصاغ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدته الذهبية في فقه الدعوة والسياسة الشرعية فقال: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.


(*) باحث وداعية سنغالي.
(1) تفسير القرطبي 7/ 319 ط دار الشعب – القاهرة 1372هـ.
(2) راجع تفسير الطبري 9/ 124 ط دار الفكر – بيروت 1405.
(3) ينظر: تفسير الطبري 9/ 124.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير